أحببت المفكر الكبير المرحوم د. عبدالوهاب المسيري.. قبل أن ألقاه.. عن طريق كتبه وافكاره الكاشفة بعمق عن دراسة علمية لعنف إسرائيل.. وكنت أداعبه دائما بأننى اشترك معه فى اسم عبدالوهاب.. وأيضا فى مشاركته فى نوعية الدراسة الجامعية للأدب الإنجليزي.. وفى حبنا لكشف حقيقة إسرائيل.. حرصت على حضور أغلب ندواته ولقاءاته.. كنت أشعر بالقرب منه.. لدرجة أن جميع كتبه ومقالاته وحواراته.. تتصدر مكتبتي.. وعندما أفكر فى الكتابة عن إسرائيل.. يقفز أمامى عبدالوهاب المسيري.. بصوته المميز.. لتستقر كلماته فى وجداني.. والمسيرى لم يكن بالنسبة لى مجرد مفكر مبدع أو كاتب كبير.. إنما قدوة ونموذج.. كرجل آمن بفكرة وانطلق بها.. ليقدمها للدنيا كلها.. مستخدماً أفضل ما وصل إليه العلم من بحث وتفكير.. وتخصص المفكر الكبير فى كشف حقيقة اليهود والصهاينة.. وقد ركز على الجرائم الإرهابية والعنصرية.. التى ارتكبوها.. كأفراد وجماعات ومؤسسات ضد الفلسطينيين.. وكان المسيرى يطالب ويحذر.. بألا يحل البكاء والعويل محل الفهم والتحليل والتفسير.. لذلك قدم لنا المسيرى كتابه الصهيونية والعنف.. الذى أصدره فى يناير 2001 والعجيب أن كل ما كتبه المسيرى فى هذا الكتاب يفسر الجرائم الإسرائيلية الحالية والإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين.. ويكشف لنا المسيرى عن امتلاك إسرائيل لأراض فلسطينية قبل عام 1948 إلى اليوم.. بأنه لم يكن عن طريق التسلل أو الشراء.. مستدلا بذلك على أن الصندوق القومى اليهودى لم يتمكن خلال 45 عاماً من الحصول إلا على 3.9 ٪ فقط من مساحة فلسطين.. بينما قامت عصابات الهجانة والارجون وشتيرن الإرهابية والتى كان مناحم بيجن احد اشهر قادتها.. تمكنت من الاستيلاء فى اقل من عام واحد (1948) على مساحة 76٪ من إجمالى مساحة فلسطين.. وهو ما يعنى ان إسرائيل لم تستول على الأرض بالشراء من الفلسطينيين.. كما يتردد.. وأن الأرقام لا تكذب.. والاسوأ من ذلك.. أن إسرائيل لم تكن مجرد استعمار فقط.. انما استعمار استيطانى احلالي.. قائم على ضرورة إحلال السكان الجدد من المستوطنين الصهاينة.. محل السكان الأصليين فى الأرض والعمل.. وقد رفعت إسرائيل اخطر شعاراتها وهو اقتحام الاقصى والعمل والحراسة والإنتاج.. وكلمة اقتحام تعنى اغتصاباً.. وبتعبير أدق تعنى الاحتلال الاستيطانى فى فلسطين على حساب الفلسطينيين.. والزراعة المسلحة.. هى الطريقة الصهيونية لتجنيد الشباب اليهودى الثورى من شرق أوروبا وتحويلهم إلى مستوطنين يحلون محل الفلسطينيين.. فالمجتمع الإسرائيلى قائم على الاستيطان.. فقد انشأوا مزارع الكيبوتس كقرى متكاملة.. وملكوا الأرض للعامل الزراعى بهدف تحقيق رباط عاطفى بينه وبين الأرض.. ويكشف لنا المسيرى عن واقعة حدثت فى عام 66 ميلادية.. تؤكد خيانة الصهاينة وعدم التزامها بالوعود.. فعندما احتل الرومان قلعة (ماسادا) التى تقع على مرتفع صخرى بارز شرقى الصحراء الفلسطينية بالقرب من البحر الميت.. قام مجموعة من اليهود بالاستيلاء عليها.. ووعدوا أعضاء الحامية الرومانية المقيمة بماسادا بالأمان إذا استسلموا.. وبالفعل استسلموا.. لكن اليهود ذبحوهم جميعا!! وهذا يفسر خشية اليهود من الاستسلام.. فيما بعد.. ومن العجيب أن ما قاله المسيرى عام 2001.. يكشف حقيقة جرائم إسرائيل هذه الأيام.. فإنه يتنبأ بأن التوسع الصهيونى لن يتوقف مادام هناك فراغ بسبب الفراغ العربي.. وتنبأ بأن هذا التوسع سيستمر حتى يتخطى حدود إسرائيل.. إذا سنحت الفرصة.. وأن إسرائيل عبارة عن كيان توسعى تختلق المبررات والذرائع المختلفة للتوسع.. وإضفاء نوع من الشرعية الشكلية عليها.. ويجب أن نفهم جيداً.. أن الفكرة الصهيونية قائمة على التوسع والاستيلاء على الأرض.. وهو ما تجاهر به إسرائيل.. ويكفى أن نعرف أن جميع المنظمات والمؤسسات والميليشيات الإسرائيلية قبل عام 1948.. دمجت كلها فى مؤسسة واحدة.. هى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.