الأمر الوحيد الذى تفعله المرأة بإتقان وعلى أكمل وجه هو التقدم فى العمر.. عادة سنوية تحافظ عليها طالما مازلنا على قيد الحياة.
فى سنوات قريبة كان الزمن يخوف ونزحف إليه بالتدريج وبشكل خاص وخادع حتى تتفاجأ بأن خصلات بيضاء تكسو شعر الرأس مع خطوط وتجاعيد تدل على أن صاحب هذا الوجه عاش سنوات طويلة ما بين المعافرة وحلم الوصول وآهات الوجع.
قد يكون الأمر تغير إلى حد ما فى الوقت الراهن بالنسبة للرجل لم يعد يتخوف من سماع كلمة «ده راجل بركة» أو «عم الحاج» وأصبحت كلمة «عمو» نفسها ذات جرس مختلف فى أذنه.. بأن دلالتها تشير إلى أن صاحب الشعر الأبيض أو الرمادى رجل ذو خبرات، ذات جرس مختلف فى أذنه فى ظل شيوع عبارة «شوجر دادي» التى تم الترويج لها وأصبح يعى تماماً ماذا يريد من الدنيا وكيف يتعامل معها بعكس اندفاع الشباب وتهورهم الزائف أمام الجنس الناعم اللطيف.. فى كل الأحوال لا تعترف النساء بأعمارهن إلا أمام الطبيب المعالج الذى يسأل إحداهن عن السن وتضطر معه أن تجيب وتفضح عن الرقم الحقيقى على مضض ومنهن من تتقمص شخصية «بكيزة هانم الدرمللي».
وتعبر بدهشة «إيه اللى دخل السن فى العلاج والمرض يا دكتور.. كلنا فى الوجع والشكوى سواء».. ووصل الأمر معهن إلى حد الإيمان بأنه لا يحق لأحد الاطلاع على البطاقة الشخصية إلا حضرة المأذون يوم عقد قرانها على نقاوة عينها أو حضرة البيه الضابط عندما تهم هى بتحرير محضر ضد أحد للتنكيل به.
وكلما دخلت المرأة مرحلة سنية أكبر يتوقف الزمن بالنسبة لها منذ مرحلة أخرى أصغر مرت بها وأصبحت من الماضى الأمر هنا لا يتعلق فقط بفكرة الخوف من الزمن ولكن بالأحلام التى تم تأجيلها إما غصب واقتدار أو خضوعاً للظروف التى تعيش فيها.. وأحياناً الاعتقاد الخاطئ بأنه «لسه بدرى الوقت قدامنا» قد يكون فى فترة العشرينيات غالبية الفتيات الصغيرات لا تتحمل المسئولية بعد وشعارها فى الحياة «كل واتغندر» والإقبال على ترف الحياة يكون من سماتهن.. وفى نفس الوقت تأجيل تحقيق الأحلام طابع لديهن.. لتتفاجأ بمرور الزمن ومع الاستعداد لبداية دخول مراحل عمرية أخرى مختلفة بأن كل ما تم تأجيله برغم الوقت لا يزال مبكراً أصبح كابوساً ينغص حياتها وتبدأ فى النظر إلى الأشياء التى لم تصل إليها بعد.. بدون ما تنظر إلى ما حققته.
ومن ثم عندما أصبحت تسأل فى إطار أى سباق مهما كان عن سنوات عمرها تجد أنها ما كانت تفضح عنه فيما مضى بجرأة وعفوية باعتباره أمراً طبيعياً ترغب الآن فى إخفائه لتلافى تذكيرها بأى أخطاء وقعت فيها.. أو فرص تركتها تضيع هباء دون إدراك قيمتها الحقيقية.
فى المقابل هناك أخريات تجدهن طيلة الوقت وأينما حللن فى أى مكان تفضحن عن سنهن بكل فخر واعتزاز ولا يهمهن إذا تجاوزن فترة عمرية بعينها وأصبحن على مشارف مرحلة أخري.
والجلسة النقاشية التى يوجدن بها لا تستدعى منهن الحديث عن تاريخ ميلادهن.
مما يعيب السيدات الخائفات من الزمن طيلة الوقت بالامتعاض الشديد والسخرية من المتباهيات بأنهن يقتربن من أرذل العمر.
وقد يكون الفيصل هو ما قالته إحداهن بسخرية لاذعة.. تقولى سنك ما تقوليش كده.. كده وصلنا إلى سن المعاش.