وسط أجواء شديدة البرودة تصل أحيانا لحد الزمهرير نجلس فى بلاهة حول المدفأة متدثرين باللامبالاة ومتمددين على أسِرّة الغفلة رغم أننا نقرأ ونسمع ونشاهد ما يدور حول العالم وما يجرى فى منطقتنا المنكوبة وإقليمنا البائس من أحداث وكوارث ولا نكاد نلاحق هذا أو تلك، فالأحداث تتصاعد والصراعات تمتد والأزمات تولد مزيداً من الأزمات والمجتمع الدولى ومؤسساته ودوله وحكوماته يقف فى حالة عجز تاريخى عن مواجهة هذا الكم غير المسبوق من التحديات، وسط هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والغضب والخوف والقلق والذى تحول فى جزء منه إلى اللامبالاة، تمر أمامنا ونحن جالسون حول تلك المدفأة الملعونة التى تسلب جزءاً من وعينا وأمام أعيننا دون أن نتحرك ودون أى مقاومة.
>>>
وكأن هذه الموجات التى تحمل الينا الدفء الذى ننشده تحمل فى ذات الوقت مخدراً يعطل لدينا قرون الاستشعار حتى عن قرب ويسلب ارادتنا وكأننا فى كابوس الشلل المزعج، وكما الضفادع التى تستمتع بتدفئة المياه فى مراحل ما قبل الغليان وهى لا تعلم أنها هالكة لا محالة نجلس نستمتع بما تبثه تلك المدفأة من دفء لكننا لا نعرف أنه مسموم، وحين يخبرنا خبير أن انتبهو وأطفئوا هذه المدفأة بسرعة ويقول إنكم هالكون، ننظر اليه نظرات ساخرة ونقذفه بما فى أيدينا من كؤوس الهوى التى جعلتنا سكارى فلا نقوى على التمييز بين الألوان حتى بين الأبيض والأسود، فعيوننا لا ترى إلا الألوان الرمادية.
>>>
تذكرت حروب الأفيون حينما استخدمت بريطانيا ذلك المخدر للسيطرة على الشعب الصيني، هكذا يتم استخدام مخدر السوشيال ميديا و»الإعلام المهندس تآمريا» هذا الإعلام الذى يصنع من مواد منتهية الصلاحية ويقدمه مذيعون منزوعو الأخلاق فيسيطرون به على مشاهدين بلا وعي، هذا النوع من الإعلام ينفق عليه بالمليارات لتحقيق الأهداف الموضوعة والمرسومة بعناية فائقة، هذه الأهداف كان يتم تحقيقها فيما مضى عن طريق تجييش الجيوش وتحريكها والقيام بعمليات عسكرية فى منطقة ما، اليوم ما عادت تتحرك الجيوش إلا فى نطاقات ضيقة ولتحقيق أهداف نوعية يغلب عليها طابع التكتيكات الخاطفة.
>>>
الآن بات الفكر مختلفًا تماما فيمكنك عن طريق انتاج شائعة واحدة أن تسيطر على كتل بشرية وتتحكم فى مزاجها ومن ثم سلوكها، بيد أن ما نراه حولنا يجرى بهذه الطرق وما الفيديوهات والصور والبوستات والتغريدات التى تصلك على مدار الساعة إلا قطرة من خطة ضخمة تستهدف مزاجك العام كخطوة أولى ثم التحكم فى سلوكك ودفعك باختيارك إلى سلوك ومسالك مقصودة ومحددة بدقة شديدة، وعندما وجد هؤلاء ان هناك انتباهًا وطنيًا لما يدور من مؤامرات فى الخفاء وهناك إعلام وطنى يفضح ويحذر ويكرر، تحركوا لغلق وعلاج هذه الثغرة الخطيرة فى مشروعهم الكبير، فاستقدموا من يسخر من الإعلام الوطنى حتى يتم ضرب مصداقيتهم أمام الجمهور.
>>>
ثم تبدأ الفيديوهات المفبركة والمجتزأة التى من خلالها يتم تشويه الرسالة الإعلامية ووصم مقدميها بالسطحية والتطبيل والنفاق والارتزاق! ومع استمرار هذه السياسة وانضمام بعض فريق «الضحالة» وبعض خريجى «سجون الهوي» إلى نفس المقولات فيرددون بغباء ما يملى على أسماعهم ليل نهار، فنجد تعاونا غريبا بين المتآمرين فى الخارج والنهايات الطرفية الغبية فى الداخل وتبدأ سيمفونيات الفوضى تعزف ألحانها وسط بيئة من التشكيك والتشويه لكل ما هو وطني، والسر فى المدفأة الملعونة فاحذروها.