تقديم برامج للدعم النفسى التأهيل
فى السنوات الأخيرة، شهدت مصر موجة جديدة من الحروب ألا وهى حروب المخدرات التى وجدت طريقها إلى أوساط الشباب والمراهقين، ليس فقط فى المناطق الشعبية بل امتدت أيضاً إلى الأحياء الراقية، مما ينذر بكارثة صحية واجتماعية تهدد مستقبل أجيال كاملة، ورغم الجهود الكبيرة والضربات الأمنية الاستباقية التى تقوم بها وزارة الداخلية فى مختلف المحافظات، فإن انتشار هذه السموم القاتلة ما يزال يزداد بشكل مقلق.
أنواع جديدة من المخدرات ظهرت على الساحة، أبرزها «الشابو» و»الآيس» و»البودر»، وهى مواد عالية الخطورة وقادرة على تدمير الجهاز العصبى للمستخدم فى فترة وجيزة، بل وتحول المتعاطى إلى ما يشبه «الزومبي»؛ فاقداً للوعى والقدرة على التمييز، وعدوانيا فى سلوكه، ما يجعله خطراً على نفسه ومن حوله، تلك المواد تصنف كمخدرات صناعية شديدة التأثير، تنتشر بسرعة لسهولة تصنيعها وسرعة تأثيرها، خصوصاً بين الفئات العمرية الصغيرة التى تقع ضحية الترويج المضلل بين أوساط الأصدقاء أو منصات التواصل الاجتماعي.
تلك الأنواع المستحدثة لم تحل بديلا عن الأنواع التقليدية من المخدرات مثل الحشيش والبانجو والأقراص المخدرة والبودرة والتى تنتشر بشكل كبير خاصة فى المناطق الشعبية، والتى تسهل فيها عمليات الترويج والبيع بعيدا عن أعين الأمن، إلا أن اللافت أن الإقبال على الأنواع الجديدة لم يعد حكراً على الطبقات الفقيرة أو المهمشة، بل تجاوز ذلك ليصل إلى الأحياء الراقية والجامعات، ما يؤكد أن المشكلة لم تعد فئوية أو اقتصادية فقط، بل هى أزمة وعى وقيم وغياب للرقابة الأسرية والمجتمعية.
رغم الجهود المضنية لوزارة الداخلية، من خلال تنفيذ حملات مداهمة للأوكار وضبط تجار السموم، علاوة على توجيه ضربات استباقية لتجار الكيف، إلا أن حجم الانتشار يتطلب تكثيف الحملات الأمنية وزيادة أعداد الدوريات الثابتة والمتحركة، خصوصاً فى الشوارع الجانبية والميادين الحيوية التى تشهد ترويجاً نشطاً لهذه السموم، كما أن وجود أكمنة مفاجئة على الطرق الرئيسية قد يكون له بالغ الأثر فى الحد من تنقل المروجين وتضييق الخناق عليهم.
كما أرى أنه لابد من تعزيز الدور المجتمعى لوزارة التضامن الاجتماعى وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، ليس فقط من خلال العلاج المجانى للشباب المدمن، بل عبر تقديم برامج دعم نفسى وتأهيلى تضمن إعادة دمجهم فى المجتمع وتوجيههم نحو حياة خالية من المخدرات، كما يجب أن يشعر الشاب المدمن بأن هناك أملاً وفرصة لبداية حياة جديدة، بعيدا عن وصمة العار المجتمعية التى قد تدفعه للعودة إلى طريق الإدمان.
المخدرات لا تقل خطراً على محاربة الإرهاب لما لها من تأثير مباشر وغير مباشر على الشباب والأجيال الجديدة، لذا فإن مسئولية مواجهة تلك المخاطر لا تقع على جهة واحدة فقط، بل تتطلب تكاتف كل مؤسسات الدولة، إلى جانب دور الأسرة والإعلام والمدرسة والجامعة، لبناء جدار صد قوى يحمى شبابنا من هذا الخطر الداهم، فالمستقبل لا يبنى بالأجساد المنهكة والعقول المغيبة، بل بشباب واع وسليم قادر على المشاركة فى مسيرة البناء والتنمية.. حفظ الله مصر وشعبها.