رغم أن فيلم «المحكمة» إنتاج عام 2021 وبطولة مجموعة من النجوم تنتمى لمختلف الأعمار ..لم يسعدنى الحظ لمشاهدته إلا مؤخرا منذ ايام ..وجدتنى أمام تجربة جاذبة تستحق التسجيل والاهتمام ..الفيلم يحمل مواصفات السينما التجريبية كما حرص مخرجه محمد أمين وهو مخرج متميز لنوعية مختلفة من الأفلام مثل»فيلم ثقافي» و»ليلة سقوط بغداد» و»200» جنيه.
إنه يتحدث عن يوم واحد لأنشطة المحكمة التى يجرى فى محرابها معالجة 8 قضايا متنوعة، يربطها العامل الإنسانى ومن توجهات مختلفة.. ربما تكون فى المظهر متناقضة لكنها مرتبطة بخيط متين بالسلوك الإنسانى وتحولاته المختلفة.. قضايا جذبت انتباه الرأى العام وحملت الرئيسية منها نداء مهما تحمس له الكثيرون واحتشد من أجلها جماهير متعددة الميول ، تتوازن مع التركيز الذكى للمخرج على هواة حضور الجلسات كمتفرجين..ولقطة ذات معنى لمحام يترافع لأول مرة أمام القضاء وحضر معه والده ووالدته يشدان من أزره بالدعوات الصالحات.
رغم صعوبة ترجمة الفكرة التى كتبها أحمد عبد الله .. إلا ان المخرج نجح بامتياز وساعده مدير تصوير موهوب تعامل مع المكان وأوصل رسالة شموخ القضاء للمشاهدين فى كل مكان.. كما نجح فى تطويع طاقم العمل ..وهم مع حفظ الألقاب: صلاح عبد الله وغادة عادل وفتحى عبد الوهاب فى دور زياد.. المحورى اللغز الذى انتزع تعاطف الجميع بعد ان سمح له القاضى الجليل بالحديث عن التهمة الموجهة اليه وهى التحرش .. يتضح الشبه الواضح بين الفتاة وابنته التى فقدها فى الحرب.. مرورا بأحمد خالد صالح و سليمان عيد وسلوى عثمان وعلاء زينهم ..والممثل الواعد أحمد داش الذى يمثل دوراً ثقيل الأبعاد «مغتصب الفتاة الجامعية الجميلة» كان واثقا لم يهتم بنظرات عدائية لاحقته من الجميع.. وحتى الأدوار الصغيرة .. قام بها فنانون اصحاب قدرات عالية بكل اتقان.. وأشير إلى دورين : الأم «عارفة عبد الرسول» التى تحرض ابنها الطبيب لأخذ الثأر من شقيق قاتل أخيه .. صديق عمره وإصرارها على قيامه بالمهمة التى رفضها من الأساس ، وكذلك حنان سليمان الام المصابة بالسرطان التى تعانى من الآلام المبرحة وناشدت ابنتها «غادة عادل» ان تنهى حياتها رغم تحذير الجميع وجاء الحكم بإعدامها ليضع كلمة النهاية.
حتى عندما انتهت المحكمة من نظر القضايا .. تعامل المخرج مع تداعيات الأحداث بكل ذكاء..وكان استخدامه للفلاش باك أثناء الساعة والنصف مجيبا على كل الاسئلة..حاشدا لذهن المشاهد..محافظا على رسالة يحملها..كل هذه العناصر تجعلنى اعتقد انه سيأتى باحث فى تاريخ السينما ليضع فيلم «المحكمة» فى المكانة التى يستحقها على الأقل من باب نجاح السينما التجارية فى اقتحام ساحة التجريب الفسيحة المسئولة عن تغيير المسار.