مصير دمشق يخضع لمصالح القوى اللاعبة فى الشرق الأوسط
روسيا قد تخسر قاعدتيها العسكريتين.. وإيران فقدت طموحاتها فى المنطقة
بينما ينقل الإعلام مشاهد للسوريين أثناء احتفالهم بنجاح الفصائل المسلحة بقيادة أبومحمد الجولانى – المنتمى لتنظيم القاعدة سابقاً – ينتظر البلد الشقيق مصيراً مجهولاً، ممثلاً فى العديد من التحديات التى قد يصعب على الإدارة الحاكمة الجديدة حلها، لا سيما أنها بالأساس من الممكن أن تصبح سبباً رئيسياً فى عدم استقرار البلاد التى هى فى أشد الحاجة إليه الآن قبل أى وقت مضي.
بالنظر إلى طبيعة المجتمع السوري، نجد أنه يتألف من عدة أطياف منها الطائفة السنية، والعلويين (طائفة شيعية توجد فى الغالب على طول الساحل السوري) والمسيحيين وأيضاً العلمانيين، بينما الذى يتولى دفة الحكم حالياً تحالف متشدد غير متجانس أيدولوجياً، يسمى هيئة تحرير الشام (سابقاً جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة) تصنفه وزارة الخارجية الأمريكية كمنظمة إرهابية.
وبالرغم من أن هذه الهيئة المسلحة تدعى أنها انفصلت عن القاعدة منذ سنوات إلا أنه من المبكر جدا التكهن بسلوكها فى المنطقة، أو حتى الكشف عن أهدافها.
فى هذا الصدد، يقول فيليب واسيليفسكى مدير مركز الحرب غير التقليدية التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي، إن هيئة تحرير الشام تتكون من فصائل تنتمى للسلفيين المتشددين وكذلك قوميين السوريين فى الجيش السورى الحر، لذلك من غير المعروف حالياً الاتجاه الذى سيأخذه هذا التحالف فى سوريا.
ويرجح واسيليفسكى أنه بسبب الاختلافات السياسية والدينية داخل هذا التحالف المتمرد، ربما تكون هناك حرب أهلية أخرى فى سوريا.
من جهة أخرى يرى الباحث السياسى أن المستفيد من سقوط نظام بشارالأسد هو الغرب (أوروبا والولايات المتحدة) ثم اسرائيل.
ومن وجهة نظره، هناك عدة أسباب لذلك، أبرزها تخفيف الضغط الاقتصادى على أوروبا من خلال عودة ملايين اللاجئين المقيمين فيها إلى سوريا مرة أخري.
كما أن الغرب كسب خروج روسيا من المشهد السوري، لا سيما فى ظل الغموض الذى يحيط حول مستقبل قاعدتيها العسكريتين فى طرطوس وحميميم ، اللتين إذا خسرتهما ستفقد الكثير من قدرتها فى الشرق الأوسط وأفريقيا لصالح الغرب.
وتتناثر حالياً تقارير حول تفكيك القواعد الروسية فى سوريا، حيث ذكر مسئول أمنى سوري، متمركز بمحيط القاعدة الجوية الروسية فى اللاذقية، لوكالة «رويترز»، إن طائرة شحن معدات تابعة لروسيا غادرت أمس هذه القاعدة متجهة إلى ليبيا.
وأضاف المسئول المتمركز عند بوابة القاعدة، أنَّه من المتوقع إقلاع المزيد من الطائرات الروسية من قاعدة حميميم الجوية فى الأيام المقبلة.
فى الوقت نفسه، كانت قد ذكرت صحيفة واشنطن بوست، فى وقت سابق، أن صوراً لأقمار صناعية أظهرت أنَّ الروس فككوا المعدات فى قاعدة حميميم الجوية، وحملوها على طائرات شحن فى أعقاب الإطاحة بالأسد.
لكن من غير المعلوم حتى الآن، هل موسكو قررت نقل قاعدتيها من سوريا إلى ليبيا، خاصة أنها تريد أن يكون لها تواجد فى البحر المتوسط لمواجهة الناتو، وهذا أمر حيوى بالنسبة لها.
واستكمالاً لسياق المكاسب، يرى واسيليفسكى أن اسرائيل استفادت مثل الغرب بعد سقوط الأسد الذى يعد الحليف الأكبر لإيران – فبعد انهيار نظامه، خسرت طهران جسرها البرى الرئيسى فى سوريا لدعم حزب الله – الذراع الرئيسية القوية فى الشرق الأوسط – داخل لبنان.
وبالتالى تخلصت اسرائيل من صداع كبير فى هذه المنطقة بعد أن أصبحت تقريباً تحت سيطرتها.
لكنه حذر من أن هذه المكاسب قد تضيع إذا لم تتم مراقبة الاتجاه الذى تسلكه هيئة تحرير الشام، حيث أنها إذا عادت إلى جذورها السابقة المتمثلة فى جبهة النصرة الارهابية، فإن إسرائيل والغرب سيكونان قد استبدلا مشكلة أمنية بأخري، وستعود جهود مكافحة الإرهاب ضد القاعدة والدولة الإسلامية إلى نقطة البداية.
ويرى محمد سليمان الباحث فى برنامج الأمن القومى فى نفس المعهد،أن اللعبة فى الشرق الأوسط بدأت تصل إلى النهاية، متوقعاً أن تؤدى نتائجها إلى إعادة تشكيل توازن القوى فى جميع أنحاء المنطقة.
فبحسب تحليل سليمان، خلص أن سوريا تخضع لإعادة ترتيب عميقة للمرة الأولى منذ سبعينيات القرن العشرين، كاشفاً أن انهيار نظام الأسد لا يمثل سقوط دكتاتور فحسب كما يتم تداوله حالياً، بل إنه يمثل تفكك محور إقليمى تم بناؤه بشق الأنفس من جانب إيران بدعم روسي.
وقال سليمان إن سوريا تعد بمثابة المحور الرئيسى لطموحات طهران فى بلاد الشام ــ باعتبارها ممراً حيوياً لحزب الله فى لبنان، وخط مواجهة ضد إسرائيل، كما إنها رمز للعمق الاستراتيجى لإيران.
لذلك خسارة إيران لها معناها كسر لمحور نفوذها ومشروعها الإيديولوجى والاستراتيجى فى المنطقة الذى بدأه آية الله الخميني.
ووفقاً لسليمان، تواجه طهران – التى تم عزلها فى الفترة الأخيرة بعد السابع من أكتوبر – مستقبلا يتسم بالضعف الإقليمى الواضح.
وهنا يتفق سليمان مع واسيليفسكى حول خسارة روسيا وإيران بعد سقوط نظام الأسد.
فبالنسبه لروسيا، ذهب سليمان إلى أن هذا الحدث سيؤدى إلى تقليص النفوذ الروسى فى البحر المتوسط وأفريقيا.
كما رأى أيضاً أن سقوط نظام الأسد ليس أقل من لحظة جدار برلين بالنسبة للمشروع الإقليمى الإيراني.
وأضاف أنه فى غضون أشهر، تم تحييد شخصيات مهمة فى محورها – أولا التخلص من حسن نصر الله، والآن الأسد، مؤكداً أن انهيار الأخير لا يعيد رسم خريطة سوريا فحسب، بل إنه سيعيد تعريف ديناميكيات القوة فى الشرق الأوسط بعد أن أصبحت طموحات إيران فى حالة يرثى لها.
وقال نيكولاس ك. جفوسديف مدير برنامج الأمن القومى فى معهد أبحاث السياسة الخارجية و كاتب فى مجلة أوربيس الأمريكية التابعة للمعهد، إن إسرائيل استغلت الوضع لنزع سلاح سوريا بالقوة وإضعاف قدراتها، خاصة قواتها الجوية وأنظمة الدفاع الجوى بها.
أضاف جفوسديف أن هناك سلسلة من الحوارات خلف الكواليس للقوى اللاعبة فى الشأن السورى من ناحية تنظيم المصالح المتنافسة.
ويشكك جفوسديف فى نوايا هيئة تحرير الشام فى الحفاظ على مؤسسات وبنية الدولة السورية، فبحسب تحليله، يرى أن هناك مجموعات داخل الهيئة تريد تغيير ذلك، باقصاء أطراف سياسية كانت تنتمى للنظام السابق.
الجدير بالذكر أن حزب البعث الحاكم فى سوريا، منذ أكثر من 50 عاماً، قرر تعليق عمله الحزبى حتى إشعار آخر، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأورد الأمين العام المساعد للحزب، إبراهيم الحديد، فى بيان، أن القيادة المركزية للحزب قرَّرَت الايقاف المؤقت لنشاط الحزب بكافة أشكاله مع تسليم كافة الآليات والمركبات والأسلحة إلى وزارة الداخلية، ووضع كافة أملاك وأموال الحزب تحت إشراف وزارة المالية.
وعن الأكراد السوريين، لفت جفوسديف إلى أنها القضية الأكثر إلحاحا لأن التعامل مع هذا الأمر سوف يحدد مدى إمكانية استقرار سوريا بسرعة.