لاتزال ظاهرة التسول تمثل مشكلة تحتاج إلى مواجهة مجتمعية، حيث لم تعد المواجهة الدينية والقانونية تكفى بعد ظهور أنماط جديدة من المتسولين «الشيك» الذين يستخدمون حيلا حديثة تنطلى على كثير من الناس بحكم التعامل بحسن نية مع هؤلاء الذين يطلبون المساعدة دون حاجة حقيقية ويكتشفهم بعض الناس.. لذلك لابد من تكثيف ونشر الوعى المجتمعى لمواجهة هذه الرذيلة الاجتماعية.
فى محطة البنزين استوقفنى رجل فى الخمسينيات تقريباً وطلب 200 جنيه لشراء بنزين لسيارته حتى يتمكن من الوصول إلى منزله بالإسكندرية فعرضت عليه دخول المحطة لأضع له البنزين الذى يكفيه للوصول لبيته ومحاسبة المحطة بالفيزا فنظر إلى وبعد تفكير قصير تركنى وانصرف، فأيقنت أن سيارته مليئة بالبنزين الذى حصل عليه من غيرى ويريد جمع أموال بهذه الحيلة.. وأنه لا يختلف عن الرجل الذى سبق واستوقفنى منذ شهور فى شارع الهرم ليطلب منى مبلغاً لشراء كفن لميت فقير.. ولما طلبت منه ركوب السيارة معى لشراء الكفن وتوصيله لمنزل الميت طمعاً فى مزيد من الأجر والثواب.. تركنى وانصرف!!
تعاملت مع الاثنين بحسن نية حيث لا يجوز الشك فى النوايا دون دليل أو برهان فجاء رد فعلهما ليؤكد أنهما من محترفى التسول بحيل وأساليب جديدة.. وبالتأكيد تنطلى هذه الحيل على كثيرين فيقدمون أموال زكواتهم وصدقاتهم لمن لا يستحقها شرعا حيث أكد علماء الفتوى عدم جواز تقديم الزكاة للمتسولين، وضرورة البحث عن مستحقيها الشرعيين وصرفها لهم، وطالبوا بضرورة مواجهة هؤلاء الذين يحترفون التسول وتمتلأ بهم الشوارع، ويطاردون الناس على أبواب المساجد والمستشفيات والبنوك وإشارات المرور وغيرها، ومعظمهم قادر على العمل وتوفير متطلبات الحياة ليعيش بشكل كريم، أو غير محتاج ولديه ما يكفيه ويفيض، خاصة أن شرطة مكافحة التسول قد كشفت كثيراً عن متسولين لديهم أموال وممتلكات كثيرة، وليسوا فى حاجة لامتهان كرامتهم بسؤال الناس.
سلوك هؤلاء المتسولين – التقليديين أو الجدد – كما يوضح العالم الأزهرى د.أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء – يرفضه الإسلام إلا إذا كان الإنسان مضطرا إليه لسد حاجة لا يستطيع سدها إلا بهذا السلوك، ويقول: الإسلام لا يقر التسول حرصا على عزة الإنسان وكرامته، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسول وسؤال الناس، فقال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالي، وليس فى وجهه مزعة لحم».. ويبين أن درهما واحدا يكسبه الإنسان من عمل شريف أيا كان نوع هذا العمل خير له من أن يلوث نفسه برذيلة السؤال، فيقول صلوات الله وسلامه عليه: «لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتى الجبل فيأتى بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه».
ليس من الدين أن يتواكل الإنسان ويتكاسل، ويدعى الفقر والحاجة، ويسأل الناس، فواجب الإنسان أن يسعى ويجتهد فى كل وقت لتوفير العيش الكريم لنفسه، ولمن تلزمه نفقتهم، فالله سبحانه وتعالى يحث عباده على السعى والاجتهاد فى تحصيل الرزق.
يبقى السؤال الأهم والذى يجب أن يدرك الجميع إجابته: هل يجوز تقديم الزكاة والصدقات لهؤلاء من أدعياء الفقر والحاجة؟
علماء الفتوى يؤكدون أن الإسلام يأمرنا بتقديم الزكاة لمستحقيها.. وهذا يعنى أننا مطالبون شرعا بالبحث عن المستحقين للزكاة الذين حددهم القرآن الكريم، والإنسان يجب أن يكون كيساً فطناً لا يتأثر بحيل وأساليب المتسولين وتصنع بعضهم بعض العاهات أو العجز، فهيئة الإنسان ليست دليلا على مدى حاجته، وهناك متسولون محترفون يرتدون ثياباً رثة، ويتصنعون عاهات، وهم ليسوا فى حاجة إلى المال أو العلاج أو الطعام أو اللباس.. وبالتالى فديننا يأمرنا أن نضع زكواتنا أو صدقاتنا فى مكانها، وأن نقدمها إلى من هو فى حاجة فعلا إليها، وهنا لا ينبغى أن نوزعها على المتسولين فى الشوارع ونترك أصحاب الحاجات الحقيقيين الذين يتعففون عن سؤال الناس.
التجاوب مع المتسولين عموما يؤدى إلى نشر هذا السلوك القبيح فى مجتمعاتنا ولا ينبغى أن ندعم هذه الظاهرة المرفوضة دينيا واجتماعيا بالتعاطف مع المتسولين.. واجبنا جميعاً أن نبذل جهدنا لوضع زكواتنا أو صدقاتنا فى مكانها الصحيح لكى يجد الفقير الحقيقى من يعطف عليه ويعينه على مصاعب الحياة.