صخب شديد وحوارات ساخنة وبيانات رسمية وأخرى فئوية حول مشروع قانون الدستور الثانى المعروف باسم قانون الإجراءات الجنائية، حالة من الحراك القانونى ينتقل إلى حراك مؤسسى وثقافى ونقابى وفئوي، بداية وقبل الدخول فى تفاصيل الموضوع ودون أية انحيازات لرأى محدد على حساب باقى الآراء، فإننى أرى أن ما يدور امام عينى من سجالات ورؤى وآراء متباينة تمثل فى جملتها ظاهرة إيجابية يجب الحفاظ عليها وحمايتها ورعايتها حتى تصل إلى مرحلة النضج الذى نتمناه جميعا، أرى كذلك أن الديمقراطية ممارسة وليست شعارات، والمشهد الذى نراه الآن هو « اختبار صلاحية « لتجربتنا الجديدة، فبعد انطلاق قطار الحوار الوطنى من محطة السكون والضباب وصولا إلى محطات الحركة و الحيوية والشفافية، بات لدينا رصيد هائل من الخبرات ومساحات أكبر من الاتفاق والفهم والخلاف كان ولايزال يفسد الوطن قضية، إذن نحن أمام مباراة فى الديمقراطية يجب أن تستمتع بها ومضامينها دون توترات وانحيازات، من حق البرلمان ان يقدم مشروعات القوانين ومن واجبه ان يستمع إلى آراء المجتمع من خلال المؤسسات والكيانات المعنية، ومن حق النيابة العامة وجهات الضبط ومجلس القضاء الأعلى والنقابات ذات الصلة وكذلك الخبراء والشخصيات العامة المعنية أن تدلى بدلوها وتفند وتتفق وتختلف، وفى طريق تحقيق ذلك ليس هناك محرمات ديمقراطية أو كبائر قانونية تمنع كل صاحب رأى من شرح وتسويق بل والضغط بالأدوات الشرعية لتحقيق مبتغاه سواء بالتعديل او الحذف، ومن واجب كل تلك الجهات احترام مبدأ الفصل بين السلطات كأحد المبادئ الحارسة للدولة الوطنية، يا سادة نحن نعيش فترة تحولات كبرى على كافة الأصعدة، هذه التحولات تحتاج أوعية فكرية تقودنا إلى الفهم الحقيقى لما يجري، فما يجرى يجب أن يتم توصيفه على حقيقته فهو حراك وليس أزمة، لا يجب أن نخاف من الاختلافات التى تقودنا إلى الحوار والذى يحركنا بدوره نحو ممارسة الديمقراطية الحقيقية وليست الجوفاء، والتى تحتاج بدورها جوا عاما وبيئة مغايرة لا يوجد فيها مزايدات ولا ترفع فيها الدساتير على أسنة الرماح ولا تعلو فيها أصوات الغوغائية ولا يُسمح فيها لأصحاب المصالح الشخصية بركوب المشهد بهدف تسميم الأجواء وخلط الحابل بالنابل، هذا الجو الصحى الإيجابى يسمح بأن تصدر البيانات والبيانات المضادة وتطرح فيها الرؤى والرؤى المغايرة وتقبل هنا ممارسة الضغوط الشرعية لتمرير الأهداف المشروعة، لكن شريطة أن يتم ذلك وفق قواعد الاشتباك والاختلاف على أرضية ديمقراطية، الكلمة العليا فيها للمصالح العليا للبلاد، وكذلك يجب أن يكون هناك حذر منضبط من تسلل الذئاب المنفردة إلى المشهد لتحقيق أغراض خارج السياق العام، أدعم وأؤيد الحراك ولا أستسيغ تسميته بالأزمة وأحذر من عدم اجتياز اختبار الصلاحية لممارساتنا الديمقراطية، علينا أن نسمع الآخرين ونفهم ونحلل ما يطرحون ولا نكتفى بأن تسمع أنفسنا فقط.