مع كل افتتاح لمرحلة جديدة من مشروع مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى وقد كان نقلة حضارية فى مجال النقل الجماعى وإنهاء أزمة المواصلات فى مصر كما كنا نطلق عليها فى الصحف فى فترة الستينيات وبعدها.
أتذكر تلك الصورة العالقة فى ذهنى منذ 50 عاماً لأحد أتوبيسات النقل العام الذى كان المشهد العام له هو التكدس والزحام الشديد وأظن أن البعض يتداول مثلها هذه الأيام عبر النت والتواصل الاجتماعي.
الصورة وضعها أستاذنا الصحفى الكبير الراحل جلال الدين الحمامصى فى أحد كتبه التى كانت تدرس لنا فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة وتعكس الظروف الصعبة التى كان يعيشها المصريون فى حياتهم اليومية.
وكانت الصورة تتصدر مجموعة الصور التى ضمنها كتابه باعتبارها تمثل تعبيراً واقعياً صادقاً تغنى عن الاستفاضة فى الكتابة الصحفية.. وكما كان يقال وقتها إن الصورة التى يتم التقاطها بمهنية وحرفية عالية أفضل من 1000 كلمة.
الصورة كانت لأحد أتوبيسات هيئة النقل العام بالقاهرة والتى لم يكن يتعدى عدد سكانها أكثر من 2 مليون نسمة، وكانوا يعتمدون فى تنقلاتهم داخل العاصمة على أتوبيسات تلك الهيئة وأيضاً الترام القديم الذى كان مشهوراً مثل «الترولى باص» بـ «سنجته» المتصلة بالأسلك العلوية وكانا دائماً كثيرى الأعطال بسبب سقوط هذه السنجة واضطرار الركاب إلى النزول والوقوف فى عرض الشارع لحين إصلاح العطل.. ولم يكن هناك فى هذه الفترة إلا عدد محدود من السيارات الخاصة علاوة على سيارات التاكسى الأسود القديم، وهاتان الوسيلتان كان لا يستخدمهما سوى القادرين أو الأثرياء فى مصر الذين كانوا يمثلون فئة قليلة فى المجتمع.. علاوة أيضاً على مترو مصر الجديدة الشهير والذى يتباكى عليه البعض فى هذه الأيام ربما لجماله ونظافته فى فترة نشأته الأولي.. ولكنهم تناسوا شدة زحامه ومشاكله مع بداية السبعينيات عندما بدأت القاهرة العاصمة تتكدس بالسكان.. ولا يغيب عن الذاكرة مشهده مثل أتوبسيات النقل العام الذى كان يوصف تكدسه بعلب السردين.. وكان هذا وصفاً صحفياً شائعاً والناس تتدلى من أبوابه التى يصعب إغلاقها وكان الواحد منهم يرجو الآخر أن يتحرك إلى الداخل قيد قدم كى يجد له مكاناً على السلم حتى لا يضطر إلى الانتظار ساعة أخرى أحياناً حتى يصل أتوبيس أو مترو آخر لكى يلحق بعمله أو يعود لمنزله.
>>>
أتذكر مثل هذه الصورة هذه الأيام والناس تنعم بخدمة النقل عبر شبكة مترو أنفاق القاهرة الذى عملت الدولة على التوسع فى مد خطوطه من الخط الأول فى منتصف الثمانينيات وحتى إكمال الخط الثالث بالكامل يوم الأربعاء الماضى بتشغيل الجزء الثالث ما بين محطة التوفيقية وجامعة القاهرة الذى يبلغ طوله سبعة كيلو مترات يدخل مناطق جديدة يخدم بسطاء الناس وأيضاً أصحاب السيارات الذين يتركون سياراتهم بما تمثله من أعباء مرورية واقتصادية يستقلون قطارات هذا المترو العملاق الذى صار الآن يربط شرق وغرب القاهرة الكبري.
يتواكب ذلك مع شبكة الطرق الهائلة التى حرص الرئيس السيسى على إنشائها ورفع كفاءة الطرق القديمة ليتم القضاء على أزمة المرور المزمنة التى كنا نعانى منها سواء فى الداخل أو على الطرق السريعة وذلك اتساقاً مع الرؤية الثاقبة والشاملة لتوفير الحياة الكريمة للمصريين على كافة المحاور والأبعاد.
والحقيقة أنى أشعر بسعادة غامرة وأن استخدم هذا الخط الثالث «الأخضر» صديق البيئة والمكيف وذلك فى إطار الخطة الشاملة للدولة لإنشاء شبكة من وسائل النقل الجماعى «الأخضر» المستدام صديق البيئة تنفيذاً للتوجيهات الرئاسية والأهمية الكبرى لخطوط مترو الأنفاق فى تخفيف الضغط المرورى على شوارع ومحاور القاهرة وتقليل التلوث وزمن الرحلات حيث يعد المترو أفضل وسيلة نقل جماعى تعمل فى نطاق القاهرة الكبري.
>>>
ومن الأمانة أن نذكر أن هذا المشروع العملاق بدأ التفكير فيه فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات وبدأ تنفيذه فى عهد الرئيس مبارك وقد تفتق ذهن وزير النقل وقتها المهندس سليمان متولى على الاستفادة من خط قطار حلوان ـ باب اللوق وحده بخط كوبرى الليمون ـ عين شمس لإنشاء الخط الأول الجارى الآن بين حلوان والمرج الجديدة ثم توالى بعد ذلك الخطان الثانى والثالث وحتى الخط السادس المقرر إنشاؤه.
ولذا أتمنى أن يكون اسم هذا الوزير على اسم إحدى المحطات الجديدة فى خطوط المترو الأخرى التى سيتم دخولها الخدمة خلال السنوات القادمة.. وأتصور أن المهندس كامل الوزير يأخذ على عاتقه التكليفات الرئاسية لتطوير شبكة السكك الحديدية والطرق والنقل فى مصر لن يتأخر فى تخليد اسم أحد رجال مصر المخلصين بوضع اسمه على محطة من محطات هذا المشروع الضخم الذى خرج للناس فى عهد توليه حقيبة النقل.
>>>
باختصار.. لقد نجح مترو الأنفاق فى أن يعيد الابتسامة لسكان القاهرة بعد سنوات طويلة من المعاناة فى تجوالهم وترحالهم فى القاهرة العاصمة.. ونأمل أن نرى مثيلاً له فى كل محافظات مصر بإذن الله وجهد وعطاء المصريين وقيادتهم السياسية الحريصة على توفير الحياة الكريمة لهم.