أتابع بكل التقدير ذلك الدور الكبير الذى تقوم به مؤسسات الدولة الدينية فى مواجهة الأفكار المضللة وتجديد الخطاب الدينى والتوعية الدينية الوسطية الحميدة خاصة أن المجتمع مازال يعج بأفكار التعصب والكراهية التى تبث سمومها من خلال شبكات التواصل الاجتماعى بهدف إشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد بل والدين الواحد وهو الأمر الذى تتصدى له المؤسسات الدينية بكل جهد وإخلاص مستمدة دعمها وقوتها من قيادات تلك المؤسسات وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وفضيلة الأستاذ الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية فى إطار اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بالحسم فى الأمور التى تتعلق بالتطرف والحرص على نشر قيم المواطنة والتسامح وقبول الآخر قولاً وفعلاً .
فى اعتقادى أن شيخ الأزهر ومفتى الجمهورية هما أكثر من حملا لواء نشر التوعية بين أبناء الشعب المصرى ولعل ما طرحه فضيلة الإمام فى أكثر من مؤتمر يحدد المنهج والأسلوب الذى على أساسه يقوم الدعاة والوعاظ بتنفيذ رؤيته الإصلاحية التى تعتمد على مجابهة الأفكار والمذاهب الغريبة التى شوهت الدين وهو أمر ليس سهلاً لأنك تواجه تراكمات فكرية نجحت الجماعات المتطرفة فى تثبيتها فى أذهان البسطاء من أبناء الشعب وأثرت على مفاهيم الوسطية والتسامح والجنوح الى التشدد والتعصب وهنا يحضرنى بدايات تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية حيث اعتمد مؤسسها حسن البنا على مجموعة من البسطاء وتمكن من التأثير عليهم وكانوا نواة لتلك الجماعة التى نراها وقد انتشرت فى العديد من دول العالم وكان لها تأثيرها السلبى فى إسقاط الدولة المصرية عام 2011.. كان عدد تلك المجموعة 6 من أصحاب المهن الحرفية منهم النجار والحلاق والمكوجى والعربجى والجناينى والعجلاتى وكان البنا نفسه يعمل ساعاتي.. لم يكن لهؤلاء نصيب من العلم والثقافة والوعى والإدراك المعرفى لكنهم استطاعوا أن يشكلوا جزءاً مؤثراً فى المجتمع المصرى تحت تشكيل إرهابى متطرف شعاره الإسلام هو الحل ويصل به الى حكم أكبر دولة فى المنطقة العربية بل ويحوله الى تنظيم دولى إلى أن قام الشعب المصرى بثورته فى 30 يونيو لإسقاط هذا الحكم والنظام العنصرى البغيض الذى اتخذ من الدين وسيلة لتحقيق غاية الوصول إلى حكم البلاد… الشاهد هنا أن الأزهر الشريف ودار الإفتاء يواجهون فكراً استقر فى وجدان جزءاً معتبراً من الشعب المصرى من بينهم بعض الوزراء وأساتذه الجامعات والأطباء وغيرهم ممن تأثروا بفكر الجهلاء طوال 85 عاماً وهنا تأتى صعوبة المهمة التى تتصدى لها مؤسسات الدولة الدينية لإعادة الوعى بالتوعية لجموع الشعب خاصة من الشباب لعدم تأثرهم أو تعاطفهم مع تلك الفئة الشاردة عن صحيح الدين وتسامحه.
على صعيد آخر فإن الدور الذى يقوم به الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية يمثل الجانب الديناميكى لمواجهة الخطابات التى تستغل الفضاء الإلكترونى لبث الأفكار المغلوطة المتطرفة التى تمثل أكبر التحديات التى تواجه عملية بناء الوعى الرشيد لأن تلك الأفكار تتغلغل فى عقول الأفراد وتؤثر على سلوكهم فى المجتمع مما يشكل تهديداً للسلم الإجتماعى والتعايش السلمى فيه.
هنا يجب أن أشير الى ذلك الدور الذى يقوم به فضيلة المفتى والذى وصفته بالجانب الديناميكى فهذا الرجل يكاد يجوب دول العالم حتى غير الإسلامية لتصحيح المفاهيم المشوشة عن الإسلام مؤكداً على أن قضية بناء الوعى هى القضية الفارقة فى المرحلة الحالية ومن ثم فإن تحرير المصطلحات الملتبسة وتصحيح المفاهيم الخاطئة هى مهمة وطنية بالإضافة الى كونها رسالة دينية يحملها على عاتقه دون كلل أو ملل.
إن أكثر الفئات استهدافاً فى قضية الوعى هم الشباب ومصر تواجه الكثير من التحديات والحروب الخفية التى تستهدف شبابها ووحدتها الوطنية من خلال أسلحة متعددة من بينها بث الشائعات والأكاذيب وترويجها لقتل روح الأمل فى قلوب هؤلاء الشباب وللتغطية على أى إنجازات وطنية أو حضارية تمت على أرض الواقع وتحاول أن تستغل العاطفة الدينية أو ضعف الوازع الدينى عند هؤلاء الشباب وذلك لكى تهوى بهم فى مزالق الانحراف عن مقاصد الشرع الشريف أو عن معانى الوطنية السامية ومحاولة استبدالها بمجموعة من الأفكار الفاسدة الصدامية الهدامة التى تأبى الانخراط فى المجتمع والمشاركة فى بنائه ونمائه.
إنها رسالة سامية وجهود جبارة تقوم بها المؤسسات الدينية بكل صبر وإخلاص.. إلا أن هذا يتطلب من أجهزة الدولة الأخرى أن تساند تلك المؤسسات على القيام بمهامها وذلك من خلال مراكز الشباب والأندية الاجتماعية خاصة ونحن مقبلون على الأجازة الصيفية وتفعيل دور قصور الثقافة والجمعيات الأهلية التى أثبتت قدرتها على التفاعل مع الأحداث.. وهنا أيضاً يجب أن أشيد بما أقدمت عليه وزارة التربية والتعليم من إدخال مادة الوعى إلى المناهج الدراسية كمنهج دراسى لجميع مراحل التعليم وأتمنى أن تؤتى ثمارها إذا تم الأخذ بها على محمل الجدية والأهمية…. وللحديث بقية.