من المؤكد أن نتنياهو الآن فى مأزق مركَّب وغير مسبوق لكن الغريب ان هذا الوضع المتأزم هو صناعة أمريكية خالصة، فتصريحات ترامب بضرورة تهجير أهل غزة نهائياً من أرضهم أحدثت صدمة لدى رئيس الوزراء الصهيوني، ونتذكر جميعا رد فعل نتنياهو وهو جالس يستمع إلى تصريحات ساكن البيت الأبيض وهو لا يكاد يصدق أو يستوعب ما يسمعه، هذه التصريحات أحدثت ارتباكا داخليا فى الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والتى تحاول اتمام عملية الإفراج عن الأسرى من بين أيادى حماس، واتمام المرحلة الأولى ثم نسج خيوط المماطلة لعرقلة الوصول إلى المرحلة الثانية.
>>>
تصريحات ترامب وضعت نتنياهو فى هذا المأزق غير المسبوق، فإما أن يسير وراء ترامب وتصريحاته المثيرة التى تمثل إلا سرابا لن يتحقق إلا على جثث الملايين من البشر الأبرياء، وإما أن يحترم الواقع والمنطق ويستمر فى التفاوض مع الفلسطينيين الذين كشفوا زيف قوته وفشل فى تحقيق أى انتصار عسكرى يذكر، نتنياهو ليس أمامه إلا الخيار الثانى والمرجح أن يضرب بتلك التصريحات عرض الحائط ويسير فى مسار التسوية والإفراج عن الأسري، فهنا سيواجه غضب ترامب ونرجسيته وسيناله من ترامب ما يناله والذى سيتهمه وقتها بضياع الفرصة التاريخية للقضاء على حلم الدولة، الفلسطيني.
>>>
المؤكد هنا أن نتنياهو يعيش ساعات عصيبة قبل حلول صباح اليوم السبت وهو اليوم الذى حدده ترامب كمهلة نهائية للإفراج عن كل المحتجزين لدى حماس دفعة واحدة، ويعلم الجميع عدا ترامب أن هذا الطلب أو الأمر أو الرغبة ضرب من الخيال مهما كانت التهديدات الأمريكية، فمقاتلو حماس وأهل غزة لن يروا اسوأ مما رأوه على مدار خمسة عشر شهرا كاملا، وهذا ما يفسر تحركات نتنياهو الأخيرة مع الأطراف الفاعلة فى محاولة لإقناع حماس بعدم تجميد الاتفاق والالتزام بتنفيذ الاتفاق وفقا للجداول الموضوعة والمتفق عليها سلفا، والتى ستبدأ بالإفراج عن عدد ثلاثة إسرائيليين صباح اليوم السبت.
أعود إلى المأزق الذى لن ينتهى حتى لو تم الإفراج عن الثلاثة اليوم.
>>>
نتنياهو الآن أمام خيارين أحلاهما فاق مذاق المرارة ووصل إلى مرحلة ضرورة الاختيار بين طريقتين من طرق الانتحار
الأول: استكمال الاتفاق مع حماس والرضوخ للداخل الإسرائيلي
الثاني: استكمال السير وراء ترامب والذى لن يحصد منه إلا السراب والخراب، هنا نلاحظ أننا دخلنا فى مرحلة التفاصيل المثيرة والتى جاءت تحت عنوان التهجير، هذه التفاصيل يجب ألا تسرق انتباهنا عن العنوان العريض عن واقع القضية الفلسطينية الذى وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من الهشاشة، الغريب ان أصوات الكثيرين ذهبت إلى منطقة بعيدة عن جغرافيات الأزمة ودخل الإخوان على الخط وكتب أحدهم وهو من كبرائهم قائلا «يجب ان نستغل الموقف ونقدم أنفسنا لأمريكا على أننا البديل فى حالة رفض مصر مقترحات أمريكا»، وفى النهاية وحتى لا نبتعد طواعية عن جادة الصواب فنحن أيضاً فى «مأزق تاريخي» لكننا فى معركة من أجل الحق أما نتنياهو فمعركته من أجل الشيطان.