عندما يقوم وزير الخارجية الأمريكى آنتونى بلينكن بإبلاغ وزراء خارجية مجموعة السبع الصناعية الكبري، المملكة المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان أن إيران وحزب الله سوف يقومان خلال ساعات بمهاجمة إسرائيل -كان ذلك يوم الإثنين الخامس من أغسطس- ويجتمع الرئيس الأمريكى جو بايدن بفريق الأمن القومى فى بلاده لمناقشة ودراسة التطورات المتسارعة التى تجرى فى منطقة الشرق الأوسط لإتخاذ ما يلزم من قرارات تجاه ما يعتقدون أن إيران وحزب الله سوف يقدمان على وجه اليقين بتوجيه عملية إنتقامية ضد إسرائيل خلال فترة زمنية لن تتجاوز الثمانية والأربعين ساعة القادمة وإن كان شكل الضربة المتوقعة لم يتضح أو يتبلور لديهم بعد. والذى بناءً عليه، كما أعلن الوزير بلينكن، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بحشد قواتها فى المنطقة لأغراض دفاعية. ومع وصول الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية – القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط – (السنتكوم) إلى تل أبيب ولقائه رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى الجنرال هيرتس هاليفى والقادة الإسرائيليين لإجراء تقييم مشترك للموقف – كما يعلنون – ثم يتصل وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن بنظيره الإسرائيلى ويؤكد له دعم الولايات المتحدة الصلب لدولة إسرائيل فى حالة وقوع هجوم إيرانى عليها.
وداخل دولة إسرائيل، وطبقًا لصحيفة «تايمز أف إسرائيل» يوزع الجيش الإسرائيلى على رؤساء المحليات فى الشمال وثيقة تحدد المخاطر المتوقعة حالة حدوث حرب مع حزب الله اللبنانى ومنها انقطاع التيار الكهربائى فى بعض المدن لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام وكذا انقطاع المياه، وقطع الاتصالات الأرضية لمدة قد تصل إلى ثمانى ساعات واتصالات المحمول إلى أربع وعشرين ساعة إضافة إلى الراديو والإنترنت وأن حوالى 40 ٪ من العاملين قد لا يتمكنون من الوصول إلى العمل طوال فترة الحرب. أما المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فتقدر أن إسرائيل سوف تتلقى هجمات بمئات الصواريخ يصل وزن رؤوسها إلى خمسمائة كجم وخاصة فى مدن حيفا وتل أبيب، الأمر الذى قد يضطر السكان إلى النزوح فى إتجاه الجنوب وإلى القدس.
تلك اللوحتين اللتين رسمتا بيد فنان إحداهما فى أقصى الغرب حيث الولايات المتحدة الأمريكية والثانية فى الشرق الأوسط على أرض دولة الإحتلال الإسرائيلية بعد العودة المظفرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى من زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتى صعد فيها إلى منصة الكونجرس الأمريكى وأعلن وسط موجات التصفيق المتلاحقة له أنه لن يرضى بغير الإنتصار الكامل على حماس، ثم مخاطبًا الشعب الأمريكى من خلال نوابه بكل الصلف والغرور أن مصير إسرائيل والولايات المتحدة مرتبط ببعضهما إرتباطا وثيقًا، ومؤكدًا أن ما تتلقاه إسرائيل من دعم أمريكى ليس لمساندتها كحليف ولكن للدفاع عن الديمقراطية والمصالح الأمريكية، ثم يصرخ فيهم «أعطونى الأدوات أسرع وسأنجز المهمة بسرعة»، «نحن نعمل على إبعاد الجنود الأمريكيين عن ساحة المعركة».
وكأن تركيز نتنياهو وإصراره المستمر على أن أمريكا وإسرائيل تواجهان عدوًا مشتركًا هو إيران، وأن سرعة التصدى لها هو الحل الأمثل والذى لا مفر منه.
أى مهمة يقصد نتنياهو؟ وأى سرعة إنجاز؟
هل الإنجاز هو غزة؟ لقد أنجزت وانتهت…
هل الإنجاز هو حزب الله اللبنانى وأى تهديد مشترك منه لأمريكا مع إسرائيل؟ وأى سرعة وأى تصد يقصده نتنياهو؟
هل التهديد المشترك هو النووى الإيراني؟
هل السرعة المقصودة هى سرعة إيقاف إيران قبل الدخول إلى العتبة النووية؟
– ما الذى دار بين نتنياهو وجو بايدن فى اللقاء الذى تم بينهما فى البيت الأبيض؟
– هل اتفقا على أن يترك جو بايدن غزة لنتنياهو…..؟
وتتولى إسرائيل ضرب النووى الإيرانى وتحسب لجو بايدن أنه فى عصره تم القضاء على الحلم أو المشروع النووى الإيرانى القاضى إلى إنتاج وإمتلاك سلاح نووي.
أم رفض جو بايدن هذا العرض الإسرائيلي، وأحس نتنياهو أن الوقت ليس فى صالح إسرائيل وأن تأخير التدخل العسكرى ضد إيران يجعل إيران التى تسابق الزمن، تصل إلى غايتها وتمتلك السلاح النووى قبل إنتهاء فترة رئاسة جو بايدن.
طبقًا لصحيفة واشنطن تايم قد يكون لدى إيران حاليًا خمسة قنابل نووية فعلا وقد يصبح لديها 12 قنبلة بحلول مايو المقبل، إذا صحت تقديرات استخباراتية ذكرت مصادرها فى أكتوبر الماضي، أنها أصبحت قادرة على إمتلاك ما يكفى من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة واحدة فى غضون أسبوع وما يكفى لإنتاج 5 قنابل فى 6 أسابيع وها قد مر أكثر من 3 شهور على تلك التقديرات.
وطبقًا للصحيفة فإن الإيرانيين لا يرغبون فى الإدعاء بأنهم يمتلكون واحدة إلا إذا كان لديه عشر قنابل على الأقل مخبأة فى أماكن مختلفة فى أنحاء البلاد، فى ظل قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على العثور عليها وتدميرها.
والمعروف أن الإدارة الأمريكية الحالية لديها سبب قوى فى عدم الكشف عن وجود قنبلة نووية إيرانية بسبب الوعود المتكررة للرئيس بايدن على مر السنين بعدم السماح لطهران بإمتلاك سلاح نووى فى عهده -كما فعل من قبل الرئيسان السابقان باراك أوباما ودونالد ترامب – لذلك فإذا إعترفت إدارة بايدن بوجود قنبلة إيرانية فسيتم الضغط عليها للقيام بإجراء ما – انتهى ما نشرته الصحيفة.
والآن أقول هل واجه نتنياهو جو بايدن – أثناء الزيارة – بمعلومات عن إمتلاك إيران للسلاح النووى ؟؟ وبالتالى وضعه فى موقف لا يستطيع أن يرفض فيه العمل ضد إيران؟
هذا ما سوف تكشفه الأيام القادمة.. وإن صح فإن تفسير ما حدث بعد عودة نتنياهو من واشنطن كالآتي:
الهدف الإسرائيلى الأمريكى هو منع إيران من إمتلاك سلاح نووى بتدمير القدرات والإمكانات التى توصلت إليها حتى الآن وتدمير البنية التحتية لديها من مفاعلات نووية ومنشآت خاصة بالإنتاج والتخزين. ولتحقيق ذلك الهدف وخداع الجانب الإيرانى وأذرع المقاومة التابعة له فى لبنان وسوريا والعراق واليمن. فقد تم البدء بقتل أكبر قائد عسكرى فى حزب الله اللبنانى «فؤاد شكر» الذى يعتبر اليد اليمنى لأمين عام الحزب حسن نصر الله ومستشاره لشئون التخطيط وإدارة الحرب. وذلك بواسطة طائرات سلاح الجو الإسرائيلي.
وبعد ذلك بــ 12 ساعة تقريبًا فى يوم 31 يوليو 2024 إغتالت إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس ورئيس الوزراء الفلسطينى الأسبق فى العاصمة الإيرانية طهران عندما كان فى زيارة لها للمشاركة فى حفل تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد مسعود بزشكيان.
وتنطلق التصريحات الإيرانية، فهذا قائد الحرس الثورى الإيرانى حسين سلامى يصرح أن بلاده سوف ترد على اغتيال هنية فى الزمان والمكان المناسبين، أما المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعانى فيعلن أن طهران لا ترغب فى تصعيد إقليمي، لكن معاقبة إسرائيل ضرورية وأن رد بلاده سيكون فى إطار القوانين والأعراف الدولية محملاً الولايات المتحدة الأمريكية مسئولية ما حدث وإن إسرائيل ما كانت لتفعل ذلك إلا بعلمها وموافقتها.
وفى لبنان كان الرد من جانب أمين عام حزب الله حسن نصر الله لا يقل حسمًا وحدة ولا إصرارًا عما أعلن فى إيران.
وتتلقف واشنطن ذلك وتعلن نائبة المتحدث باسم البنتاجون سابرينا سيمغ فى بيان لها : أن وزير الدفاع لويد أوستن أمر بنشر المزيد من المقاتلات والسفن الحربية التابعة للبحرية فى الشرق الأوسط مع سعى واشنطن لتعزيز الدفاعات فى أعقاب تهديدات إيران وجماعة حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) المتحالفين معها. ووافق وزير الدفاع لويد أوستن على إرسال المزيد من سفن البحرية والمدمرات التى يمكنها إسقاط الصواريخ البالستية إلى الشرق الأوسط وأوروبا. كما أمر أوستن بإرسال حاملة الطائرات إبراهام لينكولن لتحل محل حاملة الطائرات ثيودور روزفلت فى البحر المتوسط.
وتعلو أصوات داخل إسرائيل بأن تل أبيب تدرس تنفيذ ضربة إستباقية وقائية (إحباط) ضد إيران، إذا ما حصلت على معلومات تؤكد إستعداد إيران لتوجيه ضربة ضدها.
وفى الوقت الذى تستمر فيه عملية الإبادة الجماعية الإسرائيلية للشعب الفلسطينى فى الضفة وقطاع غزة وتتعالى أصوات فلسطينية بإيقاف عملية التفاوض مع إسرائيل عقابًا لها على قتل هنية، تترقب عيون العالم سيناريوهات المواجهة القادمة بين إيران وإسرائيل والتى لن تتعدى الأربعة سيناريوهات كالآتي:
السيناريو الأول:
بقاء الحال على ما هو عليه.
استمرار التصريحات، تبادل الهجمات بين إسرائيل وحزب الله طبقًا للمعدل الحالى دون زيادة أو نقصان ظاهرين.
السيناريو الثاني:
الأكثر احتمالا طبقًا لتقدير الموقف.
الهدف الإيرانى «سرعة تحقيق هدف امتلاك سلاح نووي».
وحماية ما حققته من نجاح حتى الآن.
ولتحقيق ذلك سوف تكتفى إيران بإستخدام أذرعها فى لبنان (حزب الله) وفى سوريا (فيلق القدس) وفى العراق (الحشد الشعبي) وفى اليمن (الحوثيون) فى توجيه ضربة صاروخية مركزة ومتزامنة وكذا باستخدام المسيرات ضد أهداف إسرائيلية فى الداخل الإسرائيلي.
قد تنفذ إيران عملية اغتيال (مخابراتية) أو نوعية ضد شخصيات إسرائيلية داخل إسرائيل أو خارجها. لإرضاء الشارع الإيراني، وإظهار الهيبة الإيرانية بأنها قادرة على الرد على الإعتداءات التى توجه لها.
السيناريو الثالث: المتشائم.
الهدف الإسرائيلي/ الأمريكي: إنهاء أو إيقاف المشروع النووى الإيراني.
1- قيام إسرائيل بالإشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية أو منفردة بتوجيه هجمة صاروخية مركزة ضد الدفاع الجوى الإيرانى يتبعها ضربة جوية مركزة ضد البنية التحتية للمشروع النووى الإيرانى من مفاعلات ومخازن ومنشآت أخري.
بإدعاء إكتشافها للإستعدادات الإيرانية لتوجيه هجمة صاروخية ضد إسرائيل وضد أهداف أخرى أمريكية.
2- قيام إيران ومعها جميع أذرع المقاومة الأربعة بتوجيه كل إمكاناتها الصاروخية والقتالية الأخرى ضد الأهداف الإسرائيلية فى البر والبحر والجو مع توجيه إيران لقصفات صاروخية ضد الأهداف الأمريكية (حالة اشتراك الولايات المتحدة) فى منطقة الخليج فى الدول العربية أو فى الخليج.
السيناريو الرابع : المتفائل:
نجاح الوساطات الدولية فى إنهاء الخلافات والوصول إلى حل توافقى ترضى عنه أطراف الصراع قد يكون إيقاف إطلاق النار فى غزة وتبادل الأسري.