يقول تعالى: «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ « ويفسر العلماء الآية الكريمة: وإن تتولوا أيها الناس عن هذا الدين الذى جاءكم به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فترتدّوا راجعين عنه «يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ» يقول: يهلككم ثم يجىء بقوم آخرين غيركم بدلا منكم يصدّقون به، ويعملون بشرائعه «ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ» يقول: ثم لا يبخلوا بما أُمروا به من النفقة فى سبيل الله، ولا يضيعون شيئا من حدود دينهم، ولكنهم يقومون بذلك كله على ما يُؤمرون به.
والمعنى : يتخذ قوما غيركم للإيمان والتقوى ، وهذا لا يقتضى أن الله لا يوجد قوما آخرين إلا عند ارتداد المخاطبين ، بل المراد : أنكم إن ارتددتم عن الدين كان لله قوم من المؤمنين لا يرتدون وكان لله قوم يدخلون فى الإيمان ولا يرتدون .
وقد وَرَدَت لفظة «الاستبدال» فى القرآن فى موضعين: الأول فى سورة التوبة{ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا»»39»، والموضع الثانى، فى سورة محمد { ها أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم» «38».
والظاهر من هاتين الحالتين «كما يقول العلماء»لمفردة «الاستبدال» أنهما وُضعتا فى موضع جواب شرط لفعل شرط مفاده العطاء الإنسانى، الأول موضع «سورة التوبة» عطاء فى مجال «التدافع الحضارى» وهو «النفير»، والثانى موضع «سورة محمد» فى مجال تداول حركة «رأس المال « فى المجتمع أى تحقيقًا لضابط حركة المجتمع نحو الاتزان والاستقرار المادى» كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ» «الحشر:7».
ويذكر القرطبى فى تعليقه على آية «سورة محمد» قوله: وإن تتولوا أيها الناس عن هذا الدين الذى جاءكم به محمد _ فترتدوا راجعين عنه.. يهلككم ثم يجىء بقوم آخرين غيركم بدلًا منكم، ويحدد أوصاف هؤلاء القوم الآخرين: 1. يصدقون به 2. ويعملون بشرائعه 3. ثم لا يبخلون بما أمروا به من النفقة فى سبيل الله 4. ولا يضيعون شيئًا من حدود دينهم 5. يقومون بما يؤمرون به كله.
الركن الأساس فى هذه السُنَّة «الاستبدال» هو «التوَلِى» عن أمر الله تعالى، وللتوَلِّى أشكال ومظاهر. «القاموس القويم للقرآن الكريم» الإعراض عن.. وجاء ذلك فى « 22» موضوعًا موزعًا حسب نزوعات الإعراض وموضوعاتها التالية:
1 – الإعراض عن الالتزام بعهد الله ومواثيقه: «البقرة:64».-الإعراض عن القيم الإلهية : «البقرة:83».-الإعراض عن الإيمان والهدى: «البقرة:177»، «هود:52»-الإعــراض عن الإسـلام وتعاليمــــه: «آل عمـــــــران:20»،
«آل عمران:23»، «آل عمران:32»، «آل عمران:64»، «هود:57»، «هود:3»،»النحل:82»، «يونس:72»، «المعارج:17»، «الأنبياء: 10 9»، «النجم:33»، «التغـابن: 12».-الإعراض عن سماع كلام الله: « الأنفال: 23»، «الأنفال: 40».-رفض البراءة من المشركين: «التوبة:3».-الإعراض عن الاستجابة إلى التوبة: « التوبة:74».-الإعراض عن ذكر الله: «النجم:29».-الإعراض عن الآخرة: «الممتحنة:6».
2 – موافقة الهوى وطاعة الشيطان: «المائدة:43»، «النحل: 100»، «الحج:4».
3 – التكذيب بالآيات والسنن: «طه:48»، «القيامة: 32»، «الغاشية: 23»، «الليل:16»، «العلق:13».
4 – التخلف عن الجهاد/الفرار من الزحف: «البقرة:246»، « آل عمران: 155»، «الأنفال:15»، «الفتح:16».
5 – التخلى عن نصرة المسلمين فى عثرتهم: «التوبة:50»، «التوبة:129».
6 – التوجه إلى الانحـــلال الأخــــلاقى: «آل عمران:82»، «المائدة: 49».
7 – الانصراف إلى الإفساد فى الأرض: «البقرة:205»، « آل عمران: 63»، «محمد:22».
8 – مخالفة الله ورسوله: «المائدة: 92»، «الأنفال:20»، « النور:47»، «الصافات:40»، «الفتح:17»، «النساء: 115».
9 -موالاة الباطل وأعداء الإسلام والمنافقين: «النساء:89»، «المائدة:80»، «التوبة:23»، «المجادلة:14»، «الممتحنة:9»، «الممتحنة: 13».
10 – التهرب من الإنفاق فى سبيل الله: «محمد: 38».
11 -الانصراف إلى جمع الكيد للمؤمنين: «طه: 60».
12 – عظم الإثم: «النور:11».
13 – محاولة الهروب من عقاب الله: «الصافات: 178».
14 -الانصراف إلى ملذات الدنيا وشهواتها: «النجم:29».
15 – دعوة الناس إلى غمط حقوق الناس: «الحديد:24»
اللهم لا تجعلنا منهم .