أجدادنا لم يتركوا شيئًا إلا وعرفوه. عندما قررت كتابة هذا المقال عن «عيش الغراب» أو المشروم، بحثت عن جذور معرفتنا به فى مصر. ولدهشتي، اكتشفت أنهم عرفوه منذ ثلاثة آلاف عام. كان للفطر مكانة عقائدية كبيرة لديهم، حيث اعتقدوا أنه هبة من «الإله» أوزوريس لأهل الأرض. لذا، كان يُقدَّم للكهنة والنبلاء فقط بهدف طول العمر. وقد نقشوا صوره فى الغرفة الداخلية بمعبد هاتور، مما يعكس أهميته فى ثقافتهم.
عيش الغراب هو نوع من الفطر يعرف باللغة الإنجليزية بالمشروم وهو الاسم الذى نستخدمه نحن أيضا.. أما تسميته «عيش الغراب» فتعود إلى شكل سطحه الذى يشبه رغيف العيش ولأن الغربان تهوى أكله.. يوجد أكثر من 5000 نوع من المشروم.. بعضها صالح للأكل وبعضها الآخر قد يكون ساما خاصة الأنواع التى تنمو فى الغابات.. ويتم استزراع 10 أنواع فقط من المشروم على المستوى التجارى عالميا وكلها بالقطع صالحة للأكل..
المشروم يتميز بقيمة غذائية فريدة.. فهو مصدر غنى للبروتين والفيتامينات والأملاح.. البروتين الموجود فيه يشبه البروتين الحيواني.. وقد تصل نسبته فى بعض الأصناف الى 40 فى المائة أى أعلى من نسبة البروتين فى اللحوم.. لذلك فهو يطلق عليه اسم «اللحم النباتي» ويتميز بأنه خال من الدهون.. كما يحتوى أيضا على الألياف المفيدة.. والمفيدة جداً لصحة الإنسان.. كما يحتوى على كميات جيدة من الفيتامينات خاصة فيتامين «ب» وفيتامين» د» وأيضا حامض الفوليك الذى يساعد فى تكوين كرات الدم الحمراء والذى تحتاجه الحوامل بشدة فى بداية الحمل.. بالإضافة الى ذلك يعتبر المشروم مصدرا مهما للأملاح المعدنية مثل البوتاسيوم والكالسيوم والفسفور والنحاس.. وأظهرت دراسة حديثة أن تناول الأطعمة الغنية بالنحاس، مثل المشروم، يساعد فى استعادة وظيفة القلب الطبيعية فى حالات تضخم القلب. كما يحتوى المشروم على إنزيمات تسهّل عملية الهضم وتزيد الشهية، مما يجعله أكثر من مجرد غذاء، بل علاج طبيعى يُفيد الجلد، ويُحسّن تكوين الدم، ويساعد فى علاج السمنة. ومؤخرًا، تم اكتشاف مضاد حيوى فى المشروم يُستخدم فى علاج الأورام السرطانية والوقاية منها.
لا عجب أن نشهد زيادة مطردة فى الطلب على المشروم عالميًا. فقــد تجــاوز الإنتاج السنوى 200 مليون طن، تنتجها 120 دولة. ومع ذلك، لا تزال زراعته تجاريًا فى الوطن العربي، بما فى ذلك مصر، فى مراحلها الأولي. على الرغم من أن مشروع زراعة المشروم يعد استثمارًا واعدًا ومربحًا نظرًا لسهولة زراعته وانخفاض تكاليفه مقارنة بالمشروعات الزراعية الأخري، بالإضافة إلى قصر دورة رأس المال التى لا تتجاوز ثلاثة أشهر. كما أن للمشروع فوائد إضافية عديدة، مثل إنتاج علف للحيوانات وسماد عضوى من مخلفات البيئة التى كان ينمو عليها، فضلًا عن توفير فرص عمل ومصدر لزيادة دخل الأسر.. وتوفير البروتين بأسعار أقل كثيرا من تكلفة اللحوم إضافة الى مزاياه الصحية المتعددة
سعدت وفرحت كثيرا.. عندما علمت بوجود وحدة بحوث وإنتاج المشروم التابعة لمركز البحوث الزراعية فى وزارة الزراعة.. هذه الوحدة تأسست عام 1985 ويعمل بها نخبة من الخبراء المتخصصين فى هذا المجال.. وقامت بإنشاء مزرعة الفطر فى الدقى عام 1986 الوحدة تقوم ببرامج تدريبية للأفراد والمجموعات كما أنها توفر التقاوى عالية الجودة أو ثمار الفطر بأسعار معقولة.. ولها القدرة على رعاية المشاريع وتقديم الدعم التقنى المتواصل لها.. ولعلنا نفكر جيدا فى تقديم المزيد من الدعم والموارد لهذه الوحدة.. من أجل أن تتمكن من نشر رسالتها وخبرتها الى خارج حدود مكتبها.. إلى الناس.. فى الريف والحضر شمالا وجنوبا.. بحيث تصل إلى المواطن بدلا من أن ننتظر حتى يأتى المواطن إليها..
زراعة المشروم مشروع بسيط لا يحتاج إلى رأس مال كبير أو معدات معقدة أو مساحات واسعة. يمكن زراعته فى المنازل، مراكز الشباب، وحتى المدارس. ومن خلال مثل هذا المشروع، يمكننا توفير بروتين عالى الجودة بأسعار معقولة، بالإضافة إلى خلق فرص عمل وزيادة دخل للنساء والشباب. إن الاستثمار فى هذا المشروع من المؤكد أن يكون خطوة نحو تحسين مستوى المعيشة وتعزيز الأمن الغذائى فى المجتمع.