بعد مرور عام من عملية الرصاص المصبوب التى قامت بها إسرائيل فى غزة وقضت فيها على مقومات الحياة تقريباً.. قمت بتأليف كتاب صدر عام 2010 قلت فيه.. توقعت أن ينقشع الغبار وتتبدد الغيوم فى سماء ما تبقى من القضية الفلسطينية ولكن خاب ظني.. لماذا؟.. لأنه لا إسرائيل تم عقابها دولياً.. ولا العرب اتخذوا موقفاً جماعياً وحماسياً ولا حتى حماس استفادت من الدرس وحاولت التقرب من فتح.. ولا وقعت على الورقة المصرية للمصالحة بين الفصيلين أو ضلعى السلطة الفلسطينية.
تلك هى المعضلة.. فبعد 15 عاماً من تدمير إسرائيل لغزة عام 2008 قامت عقب عملية طوفان الأقصى فى ٧ أكتوبر.. بحملة انتقامية أكثر وحشية ودماراً متخذة الطوفان ذريعة.. ليس لاقتلاع حماس فحسب.. وإنما اتخذت سياسة الأرض المحروقة لإجبار أهالى غزة على التهجير القسرى إلى الغرب حيث سيناء.. ووضع مصر فى الأمر الواقع.. ولكن خاب ظن دولة الاحتلال.. فقد قطعت الطريق أمام الأطماع الصهيونية القديمة والتى ذكرتها فى نفس كتابى الذى أسميته «غزة بوابة إسرائيل إلى سيناء».
أقول ذلك بمناسبة انتظار حكم محكمة العدل الدولية الذى تتطلع إليه بإلزام إسرائيل بوقف الحرب فى غزة.. ووقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.. والذى تطمح بأن يتم التنفيذ على أرض الواقع.. ولا يذهب أدراج الرياح مثلما حدث على خلفية عملية الرصاص المصبوب عام 2008 حيث أفلتت تل أبيب من العقاب دولياً بمقتضى تقرير «جولوستون» الذى أدانها.
ورغم أن ما يحدث حالياً يصب فى مصلحة القضية الفلسطينية.. فكل الأحداث الجارية من مظاهرات طلابية فى غالبية الجامعات الأمريكية والأوروبية والتعاطف الدولى مع فلسطين بالإجماع فى الأمم المتحدة بعضوية كاملة، وبالاعتراف بدولة فلسطين.. إلا أننى أوجس خيفة من ألاعيب أولاد الأفاعى أقصد «اليهود» ومن الفيتو الأمريكى الظالم والأعمى وذلك من خلال قراءتى لسيناريوهات التى تكتب فى تل أبيب ويتم طهيها فى واشنطن.. ألا وهى عدم الاعتراف بالمحكمة وبالتالى لا تنفيذ لأحكامها واعتبارها حبراً على ورق.. ولا بتوصية الجنائية الدولية بتوقيف نتنياهو ووزيره للدفاع.. وأنهما سيتنقلان بكل حرية فى أى دولة وإلا.. فهناك «العين الحمراء».. إلا من رحم.. حيث هناك دول متعاطفة مع القضية الفلسطينية ويمكنها ملاحقة نتنياهو وجالانت.
الحقيقة.. لن استبعد الأحداث ولا اسارع فى الحكم.. ولا حتى عندى أمل فيما سيصدر من العدل الدولية طالما واشنطن تحكم العالم وتتصور أنها حامية الحمى لدولة.. لا تستحق صراحة كل هذه المحاباة والتدليل كالاب للابن.. وإن كنت آمل فى الجيل الطلابى الذى ثار فى أمريكا وأوروبا.. لأنهم علموا وتيقنوا أن إسرائيل الكبرى بدعة.. وأن الهولوكوست خرافة وحدوتة «ملتوتة» مثل اللبانة فى أفواه النساء للتسلية.
صراحة.. رغم عناد إسرائيل ومكابرة أمريكا إلا أن أوراق اللعبة انكشفت وسقطت أوراق التوت.. وبات الاعتراف بأن إسرائيل خسرت كثيراً من غزو غزة.. رغم فظائعها وعلى واشنطن أن تراجع سياستها الأحادية والكيل بمكيالين وإلا سنخسر أكثر وأكثر من الحلفاء والشركاء وأذرعها الطويلة فى غالبية دول العالم.. وعلى واشنطن وتل أبيب الاعتراف بأنه لا حق يضيع وراءه مطالب.. لأنه ببساطة وبالرجوع إلى عام 1948 كانت فلسطين هى صاحبة الأرض وإسرائيل هى المغتصبة لولا.. وعد بلفور المشئوم.. ولولا تولى واشنطن تنفيذ الوعد نيابة عن بريطانيا العظمي.. بعدما غابت عنها الشمس.. فالأيام دول والحضارات كالإنسان فى مراحل عمره من الصبا والشباب إلى الكهولة والزوال.. وكم من حضارات طغت وتجبرت ثم اندثرت!!
أخيراً:
استغرب من إعلان المدعى العام للجنائية الدولية «كريم خان» الذى ساوى بين الضحية والجلاد.. حيث أصدر أوامر اعتقال بحق قادة من حماس وهم السنوار والضيف وهنية.. ليس دفاعاً عنهم وإنما لأنهم أصحاب حق.
إسرائيل تصف قرار الجنائية.. بالفضيحة.. عجبي! رحم الله الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته ومن معهما فى حادث تحطم مروحيتهم.