الكلمة طاقة نور أو معول هدم، الكلمة ميزان حساس ترفع صاحبها لأعلى الدرجات أو تهوى به فى المهالك والظلمات.. صاحب الكلمة مسئول عنها، يقول الله تعالي: «ن والقلم وما يسطرون».. وصاحب الكلمة ليس هو صاحب القلم فحسب بل كل من يصل كلامه للناس، على السوشيال ميديا أو الفضائيات، أو حتى على منابر المساجد وفى الكنائس أو فى المواصلات والمقاهي.. مفتاح الجنة فى كلمة وقضاء الله هو الكلمة.
الكلمة الطيبة تبنى مجتمعات متماسكة فهى كشجرة طيبة، يقول الله تعالي: «مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها…» والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
للقلم مسئولية أخلاقية فليس على الكاتب أو المفكر أو صاحب الرأى سلطان إلا ضميره وصالح وطنه ومجتمعه.. والكتابة بشتى صورها أمانة أخلاقية قبل أن تكون وظيفة نتكسب منها أو مهنة أو أكل عيش؛ ومن ثم فإن صناع الرأى العام حتى ولو كانوا «يوتيوبرز» عليهم مسئولية أكبر من غيرهم؛ ذلك أن تأثيرهم أقوى اجتماعيًا؛ فهم بمثابة قادة مجتمع يشكلون وعيه وقناعاته، وهؤلاء حريٌّ بهم تحرى الدقة والتحلى بالمسئولية واجتناب السوء من القول يقول الله تعالى «واجتنبوا قول الزور».
وبقدر ما يخلص الإعلاميون وأصحاب القلم فى طرح وإثارة ما يحتاجه الناس لا ما يحبونه وبينهما فارق هائل، وتبنى ما يبنى الأوطان ويحفظ مصالحها العليا تأتى الثمرات يانعة فى صالح الفرد والمجتمع تقدماً وتطوراً ورخاءً.. أما إذا تجرد هؤلاء من الفضيلة وتنازعتهم الأهواء وهيمنت عليهم الأغراض الضيقة فإنهم يلبسون على الناس أمورهم ويغرسون التخبط والتشويش فى مجتمعهم ويجعلونه بيئة خصبة للشائعات والانقسامات والوهن والتطرف ومسالك الشيطان.
الإعلام يمارس أخطر الأدوار فى أى أمة؛ وعلى الإعلامى تقع الأعباء الجسام فى تصحيح الصورة وإيقاظ الهمة وتبصير الوعي؛ ومن ثم فعلى كل من يعمل فى وسيلة إعلامية أن يستشعر عِظم الأمانة الملقاة على عاتقه، وأن يتحلى بالموضوعية ويلتزم الصدق لما لقوله من تأثير كبير على الناس فالله تعالى يقول «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين».
ولا عجب والحال هكذا أن يرتبط إيمان المرء بلسانه، يقول النبى الكريم «من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيراً أو ليصمت».. وقدّم الله الكلام الطيب على الصلاة والزكاة فى سورة البقرة حيث قال: «وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة…».
وفى تراثنا مقولة مهمة وهى أن المرء مخبوء تحت لسانه فإن تحدث ظهرت بواطنه وعيوبه.. وقيل أيضاً: «تحدث حتى أراك.. فلسان المرء هو عنوانه وهو الدليل إلى عقله وفكره وقلبه».
وليس أدل على خطورة الكلمة من قول النبى «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقى لها بالاً يرفعه بها درجات. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى لها بالاً يهوى بها فى جهنم».
الكلمة الطيبة دواء يمتص الغضب ويغسل الحقد من قلوب الآخرين، ويقضى على الضغينة، ويفتح صفحة جديدة عنوانها الحب والمودة والتماسك.. ونبينا الكريم كان أحسن الناس خلقاً وأطيبهم كلاماً حتى مع الأعداء وقد قال عنه القرآن «وإنك لعلى خلق عظيم».
الكلام وسيلة تواصل بين الناس بعضهم بعضاً، يعبر عن مكنونات صدورهم ومقاصدهم ونواياهم، ومن ثم فالله يأمرنا بقول الحق والعدل والإحسان ويعلمنا أن القول الطيب من مفاتيح السعادة ننشرها على من حولنا.. وبه تتآلف القلوب وتأتلف وبالكلمة الخبيثة تتفرق وتختلف.
الكلمة الطيبة تنفع صاحبها بسيرة حسنة فى الحياة الدنيا وبثواب وأجر عظيم فى الآخرة حيث تعود عليه بالدعاء الصالح بعد موته، فهى ثابتة لا تعصف بها رياح الباطل.. وهى تعنى الكثير والكثير؛ فمنها إفشاء السلام، وإصلاح ذات البين، وذكر الله تعالي، وتعليم الناس خيراً.
وكم من كيان ممزق جمعته الكلمة الطيبة؛ فهى تأسر قلوب السامعين وتلم شمل المفترقين.. وكم من عداوة أذابتها كلمة طيبة.. لكن كثيراً من الناس يجهل تأثير تلك الكلمة على الآخرين؛ وينسون أن الكلمة قد تكون سبباً فى تعاسة إنسان وسعادة آخر.. ومن ثم علينا أن ننتقى ألفاظنا، ونتقن لغة الكلام الجميل فذلك سلوك يمكن ترسيخه بالتكرار والممارسة.. لنكثر من صدقات الكلام الطيب.. وما أكثر صدقاته إن أردنا الإحسان لأنفسنا قبل أن نحسن للآخرين لقول الله تعالي: «إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها».
أصحاب الكلمة مسموعة ومرئية ومكتوبة على خطر عظيم.. ولم لا وقد أقسم الله تعالى بما يسطرون ومن ثم ما ينطقون.. لخطورة ما يعرضون من أفكار وآراء وما يفجرون من قضايا وهموم وشواغل.. فهم قياد الأمة وعقلها وميزانها؛ فما يسلطون عليه الضوء ينجلى ويسطع وما يعرضون عنه يندثر ويخفت.. إذا شغلوا مجتمعهم بأولويات الوقت وواجباته الحقيقية تقدم وارتقى وبلغ غاياته وحقق أهدافه.. وإذا شغلوه بتوافه الأمور وسفاسفها وأغرقوه فى مسارات الجدل والشطط فقل على الدنيا السلام.. وساعتها لا يرجى منهم خير ولا يتوقع منهم نجاح.. فهل يستوى المخلصون والمغرضون الأفاكون.. هل يستوى من يثبتون على الحق وينصرونه ومن يصفقون للباطل ويسايرونه.. من يلهون الناس بالغيبة والنميمة والتجريح والتشهير والفتن ومن يرسمون للوطن خطوط المستقبل وصحيح الأولويات.. من يتحرون الصدق والموضوعية والمهنية مهما يكلفهم ذلك من مشقة وتعب ومن يستحلون الكذب وينتهجون النفاق ويروجون الشائعات والأباطيل.. من يؤدون أمانة الكلمة ويدفعون عن رضا ثمن المواقف.. ومن يستسهلون التضليل والخداع ويهادنون الفساد رغباً ورهباً.. من يهدون الناس سواء السبيل ومن يضلونهم بغير حق ويلبسون الحق بالباطل.
ومن أسف أن أصحاب الأقلام الشريفة الذين يؤدون رسالة الكلمة وأمانتها.. لم ينالوا حقهم فى التكريم والإشادة تخليداً لذكراهم بعد رحيلهم حتى يكونوا قدوة تحتذى بهم الأجيال الجديدة وتتذكرهم بالإشادة والعرفان وحتى تحتفظ بهم ذاكرة الوطن وتعصمهم من النسيان.. ومن المضحكات المبكيات فى زماننا أنهم لا يلقون ما يلقاه أهل الفن والكرة الذين شبعوا شهرة ومالاً وتكريماً وجوائز ربما لا تجد طريقها للمفكرين وحملة الأقلام وأصحاب الرأى المستنير والساسة الذين يملكون تأثيراً قوياً فى وجدان المجتمع بأفكارهم وآرائهم ومواقفهم التى يدفعون ضريبتها غالية.
نرجو أن تتنبه الهيئات الإعلامية والصحفية ونقابتا الإعلاميين والصحفيين أن تتبنى فكرة تكريم أصحاب الأقلام والمنابر الإعلامية الذين أفنوا أعمارهم فى التنوير ونشر الوعي.. فهذا أقل حقوقهم وأبسط مظاهر الوفاء لهم..!!