.. ماذا يحدث فى الشارع المصري؟ وكيف نجحت السوشيال ميديا فى قيادة الرأى العام حتى ولو كان ما تقوله بلا دليل؟ أو مخالفاً للواقع؟ الفكر المصرى منذ عهد المصرى القديم ومنذ أن وحد مينا القطرين وحتى الآن هو الفكر المعتدل الملتزم الوسطي.. المدافع عن الحق والمضحى من أجل الحق.. كلمة الحق هى العليا حتى وإن كانت هناك حالات شاذة تكسر تلك القائمة إلا أنها مجرد حالات قليلة عبر الزمان لا تغير من حقيقة المصرى الأصيل.
<< هناك قصة قصيرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً وإن كان من بعيد فى هذا المعنى وهى قصة رجل كان يقرأ القرآن بكثرة كل يوم لكنه لا يحفظ ما يقرؤه فتعجب ابنه الصغير فسأل أباه: يا أبى ما فائدة أن تقرأ القرآن كثيراً وأنت لا تحفظ منه شيئاً..؟
ابتسم الأب فى وجه ابنه وقال له: سأخبرك لاحقاً اذا ملأت سلة القش هذه من ماء البحر!!.. تعجب الابن وقال لأبيه: مستحيل أن أملأ السلة فهى من القش.. قال له الأب: جرب لعلك تنجح وكانت هذه السلة المصنوعة من القش تستخدم فى نقل الفحم أخذها الابن واتجه بها إلى البحر وحاول أن يملأها واتجه بها مسرعا نحو أبيه ولكن الماء تسرب منها.. فقال لأبيه: ألم أقل لك إنه لا فائدة!!!.
قال الأب: جرب ثانية.. ففعل الابن وفشل ولم ينجح فى احضار الماء لأبيه.. فقال له أبوه: لنجرب مرة اخري.. وجرب الابن بالفعل مرة ثالثة ورابعة وخامسة ولكن بلا فائدة حتى تعب الابن من كثرة المحاولات الفاشلة وقال لأبيه: لقد أخبرتك يا أبى أنه لا يمكن أن نملأ هذه السلة بالماء ولقد جربت كثيراً وفشلت، ابتسم الأب وقال لابنه: ألم تلاحظ شيئاً على سلة القش؟
قال الابن وقد تنبه فعلاً: نعم يا أبى كانت السلة متسخة جداً من الفحم والآن اصبحت نظيفة، هنا قال الأب: قد لا تملأ السلة بالماء لكنك نظفتها جيداً كذلك القرآن قد لا أحفظه لكنه يملأ القلب بالإيمان ويهدى الانسان وكذلك كل عمل صالح وقول طيب وفعل جميل.
قد تسأل: وما علاقة هذه القصة بحال المجتمع المصرى الآن؟
والاجابة ببساطة أن السوشيال ميديا والضغوط الفكرية وضغوط الحياة قد نجحت فى أن تجعل سلة القش متسخة جداً.. وأقصد سلة المجتمع ولكن العودة إلى القرآن والقيم الإنسانية وحديث الفضيلة ومحاربة كل فكر سلبى وسيئ حتماً سيجعلها نظيفة ليس بالضرورة أن يكون لديك نظرية عامة أو خاصة.. وليس بالضرورة أن تسير على هدى وفكر محدد.. ولكن يالضرورة أن تحاول و تجرب وتكرر التجربة لتصل إلى الحقيقة.. ومادمت صاحب مبدأ ونية صادقة حتماً ستنج.
يقول البعض إن هناك مؤامرة موجهة لمجتمعنا تهدف إلى ضياع الأجيال القادمة وإماتة الانتماء لديهم.. حتى يكون شبابا بلا هوية وبلا انتماء فيسهل التحكم فيهم، والسيطرة عليهم واحتلال بلادنا دخلياً بلا حرب.
وسواء كانت هذه المؤامرة حقيقية أو غير صادقة فإن الأهم هو أن هناك بالفعل تصرفات وهجوماً معنوياً علينا يستهدف الأجيال القادمة ويقتل النخوة والايمان والفكر الصحيح ويعلى من قيمة الفساد والفسدة ويقلل من قيمة العمل الطيب وكل قيمة.. وأصبح «التريند» هو الهدف بغض النظر عن قيمة أو رسالة هذا التريند.
مصر طوال تاريخها تمتلك القوة الناعمة التى تصحح أى مسار إذا ضل الطريق وتقوم كل خلل وتساهم فى بناء القوة والتميز والحضارة.. ومن يقرأ تاريخ الوطن جيداً يعرف أن مصر قد تمرض وقد يطول مرضها أحياناً لكنها ابداً لم ولن تموت.. عندما احتل الهكسوس مصر القديمة.. اعتقدوا أنهم قد ملكوا الأرض وما عليها ومن عليها وعاشوا فى مصر كأنهم أصحاب الأرض حتى خرج أحمس وقاتلهم وطردهم شر طردة.
وهو ما تكرر على مر السنين ولكن بصور مختلفة لأن الوعى الوطنى المصرى ليس شكلاً واحداً أو طريقاً واحداً..
أمر عمرو بن العاص بأن يدعم المصريين الأقباط.. وبالتعامل الطيب والقدوة الحسنة والمعاملة الجميلة دخل المصريون الإسلام أفواجاً وانتشر الصحابة والتابعون فى مصر من الشمال إلى الجنوب فكانت تلك هى القوة الناعمة التى ساهمت فى الوعى لدى المصريين الذين دخلوا الإسلام تباعاً من خلال المعاملة والتعامل.. وكانت أبرز القوى الناعمة فى التعامل مع أهل مصر هو الالتزام بالقول الحسن وتجنب التحدى والاتهام والجدال بالتى هى أحسن وكان أدب الحوار هو الوسيلة المثلى لنشر الفضيلة وكل حسن وطيب.. وكما يقولون فإن أدب الحوار الذى تميز به الصحابة الكرام مع أهل مصر تميزاً بحسن الاستماع وأدب الانصات لهم بل وتجنب مقاطعتهم واحترامهم واحترام عقيدتهم ورؤاهم وحصر الحوار كل مرة فى مكان محدود.. وتلك كانت كلمة السر فى نشر الإسلام.. مصر فى أمس الحاجة الآن للعودة إلى نفسها وقوتها الناعمة والخروج من عباءة الحداثة المضللة أو الضالة لأنه ليس كل حداثة ضالة.. والتنوع مع استخدام كل جديد فى العلوم والتكنولوجيا.