جاءت زيارة الرئيس الفرنسى إلى مصر بكل تفاصيلها لتعيد إلقاء الضوء على الحضارة المصرية، وقف الرئيس الفرنسى ينظر بإعجاب واندهاش إلى الأهرام وأبى الهول ونقلت كل وسائل الإعلام هذه الصور وهذه المشاعر التى تعكس قوة الدولة المصرية، بيد ان هناك نوعاً جديداً من القوة لا يمكن لأحد أن يغفلها وهى القوة الحضارية التى تعتبر قلب القوة الناعمة وحصنها الحصين، ومصر تمتلك أكبر رصيد فى العالم من مخزون الحضارة والذى يعكسه هذا الكم الهائل من الآثار التى تقف شاهدة على ملكية مصر لناصية الحضارة الإنسانية.
>>>
لست متخصصا للكتابة عن الآثار المصرية واقتصاداتها ولا أعرف على وجه اليقين كيف يمكن تعظيم القيمة المضافة لهذه الآثار، لكننى على ثقة بأن هناك أفكارا جديدة يمكن ان نصل إليها من خلال فتح باب الاجتهاد والبحث عن خبراء، بيد أن تعظيم المكاسب الاقتصادية لا يعنى فقط تنشيط السياحة الآثارية، وإنما اعادة النظر فى طريقة التعامل مع الآثار بداية من خطط الاكتشافات والحفريات مرورا بالتخزين أو العرض، أكاد اسمع صوت الفرصة تلو الفرصة لتحويل قطاع الآثار إلى قطاع اقتصادى.
>>>
ودائما ما تتصدر أخبار الآثار المصرية مانشيتات الصحف والمجلات وكافة وسائل الإعلام العالمية، وأبدا ستظل الآثار المصرية خاصة الفرعونيّة هى موضع شغف بنى البشر أجمعين، فعندما تعلن مصر عن كشف أثرى جديد نشاهد العالم وقد حبس أنفاسه ليرى ويعرف تفاصيل هذا الكشف، ربما يشعر المواطن العالمى بأن هذا التراث الذى تحمله هذه الآثار لا يمثل المصريين فقط بل يمثل الحضارة الإنسانية بأسرها، لكن السؤال هل المصريين أنفسهم لديهم نفس الشعور والاهتمام؟
>>>
هل تصنع هذه الاكتشافات بهجة حقيقية لجموع الناس مثلما يفعلها إحراز مو صلاح لهدف مع فريقه ليفربول؟ هل تحظى الآثار المصرية فى أماكنها التاريخية كالأهرام وأبوالهول وطريق الكباش ومتحف الأقصر وأبوسمبل ومعبد فيلة وكذا ما تضمه المتاحف والمخازن وما تحويه باطن الأرض باهتمامات الناس العاديين غير المتخصصين او المعنيين؟
والسؤال الثانى هل نحن قادرون على إدارة تلك الثروة بشكل اقتصادى يخلق واقعا جديدا لا تصنعه آبار النفط وحقول الغاز الناضبة؟ بالتأكيد مصر تملك قامات علمية فى الآثار يشار إليهم بالبنان وينظر إليهم العالم باحترام وتقدير.
>>>
نحن أصحاب الحضارة وورثة تلك الآثار فنحن خير من يتحدث عنها وأفضل من يفك شفراتها المعقدة، لكن هل لدينا ما يسمى باقتصادات الآثار والاكتشافات الأثرية؟ هل هناك من هو قادر على تحويل هذا الرصيد الإنسانى النادر والوحيد إلى رصيد اقتصادى يخلق رواجا سياحيا وثروة لا تنضب؟ ببساطة هل نحن مدراء ناجحون لآثارنا؟
ربما لا تكون مبالغا إذا قلت أن ما ينظر فى مصر عن الآثار أقل مما ينبغى بل إن غالبية ما ينشر يرتبط بقضايا سرقة أو تهريب الآثار! كذلك نفرط فى الحديث عن إعادة الآثار الموجودة فى المتاحف العالمية منذ عهود الاحتلال مثل حجر رشيد فى المتحف البريطانى وغيرها وكأننا قد انتهينا من استغلال وتنمية كل آثارنا، وهذه ليست دعوة للتوقف عن المطالبة بعودة تلك الآثار وهذه قضية مهمة أخرى لكن فقط هى ملاحظة على توزيع الاهتمامات بين ما تملكه ولا تجيد إدارته وبين ما لا تملكه وتجيد الحديث عنه والبكاء عليه، يا سادة الآثار يكتشفها ويرممها الأثريون ثم يشرحون لنا أسرارها.
لكن إدارة هذه الآثار بشكل اقتصادى أمر يحتاج وقفة ففى تقديرى أنها أكبر من الأثريين أنفسهم فلا يجب ان يكون عالم الآثار خبير تسويق واقتصاد وسياحة وترويج، هناك خبراء او يجب ان يكون هناك خبراء متخصصون فى ادارة المنظومة الأثرية المصرية بمنظور اقتصادى واضح، أنا لا اعرف وأظن لا احد يعرف حجم العوائد الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للآثار المصرية! ولا أعرف ايضاً القيمة المضافة المتوقعة فى حالة ادارتها بشكل نموذجى، لكننى أعرف يقينا ان اكتشاف اثر يجب أن يكون أهم من اكتشاف بئر نفط، بشرط ان نُحسن إدارة هذا الكشف الأثري.