الاطمئنان هو السكون النفسى للإنسان ذلك السكون الذى لايعتريه أدنى قلق أو شك أو حيرة أى أنه اليقين الكامل الذى يثبّته العلم بهذا اليقين لدى صاحبه ويؤكده القلب الذى يعلم مثلما يعلم العقل لكن علمه يأتيه من علام العيوب يدركه ويحسه ولا يعرف كنهه وكيفية حدوثه. ونستطيع أن نرى هذه السكينة فى قوله تعالي: «لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا» فإذا عرفنا أن هؤلاء المؤمنين كانوا قد وصلوا إلى منطقة الحديبية مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فى طريقهم لأداء العمرة ولا يحملون سلاحا سوى السيوف الخفيفة فمنعهم القرشيون ؛ وبدأ القلق يساورهم بعد أن تأخر فى العودة من أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القرشيين ليتفاهم معهم وها هو الرسول يدعوهم إلى مبايعته على الحرب مهما كانت ، فالطبيعى أن يخافوا لأنهم بلا سلاح لكن الله ينزل فى قلوبهم السكينة التى هى الاطمئنان الى النصر رغم غياب الوسائل المادية بل الاطمئنان إلى فتح مكة.
إذن الاطمئنان يقين فوق العلم والمعرفة وفوق منطق الأشياء.. إذن القلوب المطمئنة هى التى استقرت وسكنت بما أعطاها ربها من العلم واليقين فوق يقين العلم المجرد والأدلة العقلية. لذا لم يقل القرآن العقول المطمئنة مثلًا ،وإنما القلوب المطمئنة.
ذكر القرآن القلوب المطمئنة فى سبعة مواضع كلها تتعلق بأنبياء ومؤمنين فى لحظات شدة اى لحظات تحتاج إلى طمأنة المحب لحبيبه وتسكين قلبه ولا علاقة لها بقضية الإيمان لأنها قضية منتهية ومن ذلك قوله تعالي: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِى الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي».
هذا السؤال جاء بعد مناظرة سيدنا ابراهيم للنمروذ الذى ادعى أنه يحيى ويميت فقال له ابراهيم: «رَبِّيَ الَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ» ثم نقله ابراهيم نقلة أخرى فقال له: «فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر» بعد هذا النصر أراد سيدنا ابراهيم أن يريح قلبه ويسكن تفكيره فى طريقة الإحياء وكيفية الحدوث وأراد الله جل فى علاه أن ينفى لعباده ما قد يتبادر إلى أذهانهم نحو سيدنا ابراهيم فسأله السؤال المباشر وهو أعلم به: «أو لم تؤمن؟» قال: «بلى ولكن ليطمئن قلبي».
لذا لم يخبره ربنا بالكيفية وإنما أراد أن يريه كما يريد ابراهيم فكانت التجربة العملية يقول المفسرون تعليقا على سؤال سيدنا إبراهيم: أراد سيدنا إبراهيم أن يرى يد القدرة وهى تعمل ليحصل على مذاق هذه الملابسة فيستروح بها ويتنفس جوها ويعيش معها وهذا أمر آخر غير الإيمان الذى ليس بعده إيمان.. لقد كان ينشد اطمئنان الانس إلى رؤية يد الله تعمل واطمئنان التذوق للسر المحجب وهو يتكشف وينجلي.
لذا لانعجب ونحن نرى المقاومة الفلسطينية فى ثباتها وشجاعتها وهى تواجه عدوا غاشما بل لا نعجب ونحن نرى ذوى الشهداء فى رضى وثقة بأن شهداءهم ذاهبون إلى ما هو أفضل وانهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه.