للأديب الكبير يوسف إدريس مقولة رائعة وقفت أمامها ملِيّا متأملا تارة ومتدبرا تارة أخري، ثم قمت بعملية الإسقاط المعهودة على بعض قضايانا المعاصرة، يقول يوسف إدريس «فالإنسان وهو مرعوب قد يقف عقله ويهرب بجسده، أو قد يحدث العكس فيتسمّر بجسمه فى مكانه ويهرب بعقله» انتهت مقولة يوسف إدريس وأقول إن توقف العقل عن العمل نتيجة لصدمات الخوف أو القلق أو الرعب سيكون كارثيا حتى لو نجحت فى الهروب بجسدك بعيدا، فعقلك المعطل عن العمل سيربك كل تحركاتك وستكون النتيجة كارثية، ومن الممكن أن يستمر الإنسان فى مكانه بجسده لكنه يهرب بعقله وخياله بعيدا، وهنا ستكون النتيجة كارثية كذلك فهذا يمثل هروبا من الواقع، فتوقف العقل عن العمل يتساوى فى نتائجه الكارثية مع هروب العقل وانطلاقه بسرعة جنونية بعيدا عن الواقع، هنا يلح عليّ استدعاء واستعارة عنوان كتبه يوسف إدريس أيضا لأحد أعماله الأدبية وهو «بصراحة غير مطلقة» لأتحدث بصراحة لكن غير مطلقة، أو كما قال الشيخ العراقى على الطنطاوى «لن أقول إلا الحقيقة لكننى لن أقول كل الحقيقة» فالقضية الفلسطينية مرت وتمر بمنعطفات خطيرة، وكذلك واجهت تغيرات حادة فى الداخل الفلسطينى وعلى المستوى العربى والإقليمى والدولي، لكن كان هناك ثابت واحد هو الموقف المصرى الذى لم يبرح عن سيرته الأولى قدر انملة وعلى مر تاريخ القضية كانت مصر ثابتة راسخة ليس فقط فى تأييد القضية وإدارة الملف ولكن فى العمل على حل هذا الملف حلا جذريا دون مناورات سياسية، اليوم تعيش القضية الفلسطينية ظرفا استثنائيا ومأزقًا تاريخيا، فحرب غزة هذه المرة أخذت القضية الفلسطينية فى مكان مختلف وستكون النتيجة والمخرجات مختلفة تماما، الحرب هذه المرة كشفت النوايا الإسرائيلية نحو المخططات التاريخية وفضحت القيم الغربية الهشة، وأسقطت ورقة التوت عن عورات المنظمات الأممية المقيدة بقيود الدول الكبرى والفيتو اللعين، ومن ضمن ما كشفته الأحداث الأخيرة هو حالة «اليتم السياسي» التى باتت تعانيه القضية الفلسطينية، وسط عالم لا يعرف الأخلاق ولا القيم الإنسانية، لكن أهم ما يمكن استخلاصه من هذه الأحداث هو استهداف مصر ومحاولة استدراجها للانزلاق فى مستنقع الصراع الذى تحذر منه مصر على الدوام، وهنا أتوقف عند التقرير المختلق الذى نشرته CNN حول ما أسمته دور مصر فى تخريب مفاوضات الهدنة واستندت فى تقريرها الفاضح المفضوح إلى مصادر مجهلة، هنا انتفضت مصر لتشن حملة من خلال الهيئة العامة للاستعلامات وبعض وسائل الإعلام الوطنية لتكذب وتفضح بشكل واضح كل هذه الأكاذيب، الغريب ان أمريكا وإسرائيل وقطر وحتى حماس لم يعلق أحدهم بأى تعليق رسمى على ما أثارته سى إن إن فقط مصر هى التى ردت لتبرئ ساحتها أمام الجميع، وما يهمنى هنا هو من يقف وراء تلك الشائعات المغرضة لتشويه الموقف المصرى والتشكيك فى المسارات المصرية، فى تقديرى هذا هو المهم الآن والذى يدعو للقلق ان إسرائيل تتعامل مع الأزمة بحماقة قد تجر المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه.