أن تكون بطلاً فى فيلم أو مسلسل، تتجه إليك الأضواء أكثر من غيرك وقد تنجح أو لا تنجح.. لكن عندما تصنع من أدوارك الصغيرة بطولات تعيش.. هذه هى البطولة بحق.. لكنك وسط الزحام تقول للجميع بتميزك وتفردك «أنا هنا».
عند الإعداد لفيلم «حسن ونعيمة»، وبعد أن استقر مخرجه بركات على اختيار المطرب الشاب محرم فؤاد وأمامه وجه جديد لفتاة اسمها سعاد حسني، قدمها الكاتب والفنان عبدالرحمن الخميسى إلى بركات، وقال: هى بعينها «نعيمة».. ولأنها كانت تحتاج إلى تدريبات فى النطق واللغة والقراءة والكتابة، استعان الخميسى بصديقه الأزهرى إبراهيم سعفان لكى يدرب الأمورة، ولم يكن ابن شبين الكوم الضليع الفصيح فى قواعد اللغة يدرك أن نداهة الفن سوف تخطفه إلى هذا العالم بدون مقدمات.. وقد درس فى كلية الشريعة وتزامل مع طالب جزائرى سيكون فيما بعد رئيساً لبلاده، وهو هوارى بومدين الذى لم ينس أبداً زميله سعفان، وفى احدى زياراته الرسمية لمصر، طلب من الرئيس السادات أن يبحث عن هذا الفنان ويأتى إلى قصور الرئاسة، حيث ينزل بومدين ضيفاً رسمياً رفيع المستوي، ويضحك سعفان من أقداره تلك التى تأخذه ذات اليمين وذات الشمال، فلم يكن الرئيس الجزائرى هو الوحيد من معارف الأزهرى الذى درس الفن بعد ذلك واحترفه، ليصبح علامة أو ماركة مسجلة فنية متفردة، فقد زامل الرئيس الراحل حسنى مبارك فى مدرسة شبين الكوم، ولكنه لم يعش بعد أن تولى الحكم إلا أشهراً قليلة، رحل بعدها عن الدنيا تاركاً لنا ضحكة من طراز خاص مسجلة باسمه، ولم تكن وسائل الإعلام «مرطرطة» كما هو حاصل الآن، بل ان كل فنان عنده ميليشيات وكتائب على السوشيال ميديا تطارده 24 ساعة وتطاردنا به حتى زهدنا فى الكثير منهم رغم مواهبهم الكبيرة.. وقد عاش سعفان ملتزماً فى حياته الخاصة مع عائلته، يبتلع مأساة فقد أولاده واحداً تلو الآخر محتسباً صابراً، فكان جزاء الرضا أن جاءت إليه ابنته «رضا» ثم بلغ عدد أولاده خمسة بدلاً من فقدهم صغاراً.
حافظ على بيته مثلما غالبية البيوت المصرية، وكأنه وسط عائلته سعفان آخر، غير الذى نراه على الشاشة، وهناك بعض الممثلين يعيش حياته كلها فى الاستديو لا يتوقف عن التمثيل مع الكل طوال 24 ساعة.
ذهب إلى اليونان يصور أحد المسلسلات، وشاهدته يونانية حسناء اختارته دون الكل، وظلت تطارده أثناء فترة تصويره المسلسل، ولكنه بالحسنى أخبرها بأن عائلته وأم أولاده هم الأصل والفصل، وأقنعها بأن يكون إعجابها بالممثل وليس بالأب والزوج، وفى اليونان أيضا خرج يتمشى فى فترة راحة من التصوير، وضل الطريق فى عودته إلى الفندق، ولم تسعفه اللغة العربية أن يسأل ويهتدى إلى حيث يسكن وهداه تفكيره إلى حيلة جميلة لعلها تسعفه، ورفع الآذان وسط أحد الميادين فى أثينا، وانتبه إليه بعض العرب هناك ونجح الأذان فى إنقاذ سعفان.
عصافيرو
عمك عصافيرو وعبدالمرضى وأمين أفندى ومبلولى أو مدبولى والمتر خفاجة، كلها شخصيات جسدها ابراهيم سعفان فى معمله الفنى الخاص وبراءة الاختراع مسجلة باسمه بالشراكة مع مؤلف كل عمل.
بالصدفة، وقفت طويلاً أمام سهرة تليفزيونية هى تقريباً البطولة الوحيدة التى حصل عليها سعفان وكان محظوظاً بها لأن القصة كتبها يوسف السباعى والسيناريو لواحد من أسطوات الصنعة وهو عصام الجمبلاطى والإخراج لأحمد صلاح الدين، ولعب سعفان دور عبدربه صانع الأحذية الذى يعشق العزف على الربابة ويجد فيها سلوته الوحيدة، وقد أحب فتاة لكنها خذلت قلبه، وظل يشكوها للربابة، كما لو كان سعفان يشعر بأن هذه السهرة يمكن أن تلخص قدراته كلها كممثل، فقدم من خلالها كل ما يملك من طاقة فنية ببراعة، والغالبية لم تشهد السهرة وربما لا تعرفها، وكل شهرته حصدها من السينما والمسرح والمسلسلات، مع ان الربابة فى رأيى هى بطاقته الفنية التى تكشف عن قدراته الهائلة وقد شاركه فى هذه السهرة راوية أباظة وفاروق فلوكس وأسامة عباس ورجاء حسين وعبدالحفيظ التطاوي، وقد كانت هذه السهرة التليفزيونية بمثابة مكافأة نهاية الخدمة لسعفان، كما كانت أيضا فرصة لأمثاله، وقدمت العديد من المؤلفين والمخرجين والتجارب المتميزة.
أثناء تصوير مسلسل «المصيدة» تأليف عاطف بشاى وإخراج رفعت قلدس، فى إمارة عجمان، جاءت لحظة الرحيل وفاضت روحه سريعاً بين يدى زميله صلاح السعدني، وأمام فريق العمل هناء ثروت وفاروق نجيب وعفاف رشاد وسامى سرحان..هكذا دخل سعفان إلى عالم الفن مع نعيمة «سعاد حسني» وخرج منه فى «المصيدة»، حيث لا مفر ولا مهرب من قدر الله.. رحمة الله على هذا الفصيح، الذى أحب الفن.. ولكن هذا الفن لم يحبه كما ينبغى وبما يليق بقامته وقيمته.