الدول القوية والقادرة، ذات الثقل الإقليمى والتأثير الدولى، والتى تمتلك الكثير من الفرص الاقتصادية، ولديها كافة مقومات التقدم تسعى إليها دول العالم، لبناء علاقات قوية وشراكات استراتيجية، وترتبط بعلاقات قوية، وإرادة للتعاون فى مجالات وقطاعات عديدة فلا أحد يهتم بالضعفاء الذين افتقدوا لإرادة الاصلاح والتحليق فى آفاق المستقبل الواعد.. الغلبة للأقوياء الذين صنعوا حاضر ومستقبل أوطانهم.. لكن السؤال أيضا، كيف تستطيع بناء علاقات وشراكات قوية مع دول العالم، بحكمة ورؤية ووفقًا لمبادىء ومحددات لا تحيد عنها، أساسها التوازن والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، والسيادة، وكيف تستطيع أن تجمع هذا الكم الكبير مع علاقات قوية مع الدول الكبرى تصل إلى حد الشراكات الاستراتيجية رغم ما بينهم من صراعات ومنافسات، وأزمات.. ببساطة لأن مصر دولة تبحث عن مصالحها وتلبية مصالح وطموحات شعبها، ولديها قرار وطنى مستقل لا تقبل التدخل فيه من قبل أى أحد، لذلك تجد أن علاقات مصر بالولايات المتحدة وروسيا والصين والدول الأوروبية والهند والبرازيل علاقات قوية ومتميزة فمصر باتت لديها الكثير من الفرص الاقتصادية بعد ملحمة البناء التى انطلقت قبل أكثر من عشر سنوات.
الحقيقة أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لإسبانيا وهذا الاستقبال والحفاوة والاهتمام الكبير بزيارة الرئيس يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، واهتمام «مدريد» بتطوير علاقاتها مع القاهرة، وهى زيارة شديدة النجاح والثراء، على كافة الأصعدة، خاصة أن هناك تقاربًا كبيرًا بين مصر وإسبانيا واتفاقًا فى وجهات النظر والرؤى بين البلدين حول القضايا والملفات الإقليمية والدولية خاصة قضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية حيث هناك اتفاق كامل بين البلدين فى هذا الإطار، سوف نتعرض له فى السطور القادمة، كما أن «القاهرة ــ مدريد» لديهم فرص متبادلة قوية يمكن الاستثمار فيها ومجالات واعدة.
جاءت كلمات ملك إسبانيا ورئيس وزرائها لتجسد الحفاوة والمكانة المرموقة لمصر وقيادتها السياسية وتكشف عن علاقات تاريخية ذات مستقبل واعد، على مختلف الأصعدة، لتحقيق طموحات الشعبين الصديقين، والحقيقة أن إسبانيا اضافة قوية فى قائمة الشراكات الاستراتيجية المصرية، ولها مواقف مضيئة، فإذا تحدثنا عن سياساتها ورؤاها للمنطقة فهى دولة داعمة للأمن والاستقرار والسلام والتعاون والرخاء.. يكفى اعترافها العام الماضى بالدولة الفلسطينية المستقلة وترفض بشكل قاطع وواضح مبدأ تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وتعترف بحقوقهم المشروعة، وترفض التهجير على أساس قانونى ومرجعى دولى وأخلاقى وتؤمن بحق تقرير المصير للشعب الفلسطينى، كما أنها كانت لها مواقف حاسمة خلال العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وزار رئيس وزرائها معبر رفح ليؤكد على دور مصر فى ادخال المساعدات الإنسانية.. القاهرة ومدريد.. هناك اتفاق كبير على الحلول السلمية لقضايا الشرق الأوسط وتفعيل الالتزام بمبادىء القانون الدولى والمرجعيات والمواثيق والقرارات الدولية، وهناك أيضا توافق على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى السورية، وضرورة اطلاق عملية سياسية شاملة تضمن مشاركة كافة أطياف الشعب السورى والرفض لانتهاكات إسرائيل وعدم احترامها للسيادة السورية وأيضا نفس الموقف فيما يتعلق بلبنان بضرورة الالتزام بالاتفاق المبرم مع إسرائيل وانسحابها من الأراضى اللبنانية فى الموعد المحدد.
الرئيس السيسى رسخ مبدأ وتوجهًا مهمًا للغاية هو الحرص على لقاء رؤساء الشركات الكبرى العالمية فى الدول التى يزورها الرئيس، وبدأ زيارته لإسبانيا بلقاء مع رئيسى شركتين عالميتين الأولى «نافتينا» وهى أحدث الشركات الرائدة عالميًا فى صناعة السفن والطاقة المتجددة والثانية لإدارة الفنادق والسياحة والسفر وبحث تعزيز الاستثمارات الاسبانية فى القطاع السياحى المصرى.
فى اعتقادى أن العلاقات المصرية ــ الاسبانية سوف تشهد تطورًا كبيرًا على كافة الأصعدة بعد ترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة من هنا فإن حرص الرئيس السيسى خلال الزيارة على هذا الجانب وشرح واستعراض الفرص المصرية ومجالات التعاون بين البلدين كان حاضرًا فى المائدة المستديرة مع ممثلى الشركات الاسبانية بحضور عدد من كبار المسئولين الاسبان حيث دعا الرئيس السيسى الشركات الاسبانية إلى زيادة حجم استثماراتها والاستفادة من المزايا والفرص الاستثمارية المتاحة فى مصر وتحدث عن الفرص باستفاضة والتى ترتكز على الموقع الجغرافى الاستراتيجى والتطوير الكبير فى البنية التحتية فى السنوات العشر الأخيرة فى الطرق والسكة الحديد والموانىء والمطارات وثروات طبيعية وتوفر القوة العاملة الشبابية ومؤهلة وبيئة مثالية وتشريعية للاستثمار الناجح ثم الفرص الكبيرة فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خاصة مجالات الطاقة المتجددة والخضراء.
الحقيقة أن علاقات مصر الدولية والخارجية علاقة مضيئة، فى رحلة بناء الدولة المصرية الحديثة على أسس صحيحة، فى الداخل والخارج وهو ما يثبت صدق وصحة وجدوى رؤية الرئيس السيسى، وانتهاجه للحكمة والتوازن فى التعامل مع محيطه الدولى والإقليمى، نابع من ثقة وقوة وقدرة لذلك باتت مصر تحظى بمصداقية عالية فى المجتمع الدولى والمحيط الإقليمى.
زيارة الرئيس السيسى لاسبانيا حققت أهدافها على كافة الأصعدة سواء السياسية، أو الثنائية التى تم ترفيعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وأيضا على مستوى الاقتصاد والاستثمارات فى كثير من المجالات فى ظل الفرص الواعدة والتأكيد على المواقف المصرية الاسبانية تجاه القضايا الدولية والإقليمية خاصة القضية الفلسطينية وتأييد إسبانيا واشادتها بالموقف المصرى الرافض للتهجير خاصة وأن مدريد جاهرت بذلك سواء فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو رفض مخطط التهجير وهو الأمر الذى يعكس عمق التوافق بين القاهرة ومدريد.. تحيا مصر.