دخل جدو فى مناقشة مع آخر يريد الاستيلاء على عزبته، وكانت صحته أحسن وصوته اعلي، فاجتذب الناس أكثر، وبدأ الجد يرى فى من حوله أمارات التمرد ومطالبته بترك العزبة والراحة، ورفض، وفى اليوم التالى أصيب الرجل الآخر بطلقة رصاص فى أذنه أسكتته، ولكنها دفعت الناس للدفاع عنه، واختياره كممثل لهم، ليتفاجأ الجميع بعدها بجدو يعلن انه سيترك العزبة والناس ويرحل، وينقلب العالم كله من خلال الإعلام وشاشاته، فجدو بايدن يحكم اقوى دولة فى هذا العالم، ولا يعرف احدا لماذا غير رأيه؟ ولماذا خرج كل رؤوساء أوروبا وكندا وبلاد اخرى للحديث عنه بهذه القوة وكأنه ملاك الانسانية الراحل، ولقد استمتعت حقا بهذه الكلمات الوداعية على شاشة «القاهرة الاخبارية» فرأيت رئيس الوزراءالإنجليزى الجديد كير ستارمر، ومستشار ألمانيا أولاف شولتز، ورئيس وزراء كندا ترودو، وبالطبع رئيس أوكرانيا زيلينسكى وغيرهم، كلنا نعرف هؤلاء جيدا، فأخبار العالم لم تعد جزءاً صغيراً، أو مخفياً فى نشرات الاخبار ولكنها الأهم الان من خلال الاحداث التى تمس الملايين. فى كل مكان، ومع إطلاق قناة اخبارية مصرية فإن قضايا السياسة اصبحت جزءا هاما من برنامجنا كمشاهدين ومن خلال منبر عقلانى يعبر عن روايتنا ويقدم لنا الحقائق بعيدًا عن أى أهواء، برغم وجود قنوات اخبارية اخرى على شاشتنا مثل البى بى سي، وفرنسا 24، والدوتش فيلة الألمانية وغيرها، ومع انطلاق الحرب على غزة فى ٧ اكتوبر من العام الماضي، اى منذ عشرة أشهر، أصبحت الاخبار الصعبة واعتداءات جيش الاحتلال الاسرائيلى على الفلسطينيين أطفالاً ونساءً ورجالاً، واستهدافه للعائلات تحديدا «لزوم تطهير الارض المحتلة من أصحابها الأصليين» جزئاً أساسياً من حياتنا اليومية، خاصة مع الاختلاف فى تغطيات هذه القنوات، واختياراتها فيما يخص العدوان على الشعب الفلسطيني، ومنع وتأخير وصول المساعدات له بواسطة جيش الاحتلال وخروج الناس فى الشوارع بعد تدمير بيوتهم وأحيائهم.
أما نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال فقصته هى الأعجب هنا، فهو يكذب كل يوم ولحظة على العالم كله ويعرف ان احدا لا يصدقه، وان اصراره على الاستمرار فى الكذب، والحرب، له سببان، الاول انه سيذهب للسجن لو انتهت حربه على غزة، والثانى أن بايدن يدعمه منذ اللحظة الاولي، ويرسل له أساطيل البحرية الأمريكية. حتى لا يقترب احد منه، وحتى يدمر غزة براحته بشرط ان يراعى المدنيين كما يصرح دائما بلينكن وزير خارجية «جدو»، لكنه لم يتوقع هو ولا بايدن ولا اى داعم له ان يفضحه الاعلام العالمي، خاصة فى الدول الاكثر دعما له، وان يعرف الملايين من شباب العالم حكاية النكبة واحتلال فلسطين، وتسليمها لليهود عام 1948، وان يخرج الألوف من طلبة وطالبات جامعات العالم للتظاهر ضد إسرائيل، ومن رجال ونساء أوروبيون وقفوا فى ميادين برلين ولندن وباريس ومدريد وبلاد اخرى يطالبون بوقف الحرب ووقف الاعتداء على ابناء غزة، لقد علم العالم، من خلال وسائل الإعلام ومراسلوها «الذين قتل منهم الكثيرون فى هذه الحرب»، ما خفى فى النكبة وماتلاها، وقد قدمت القاهرة الإخبارية تحقيقات يومية منذ بدأت هذه الحرب، لكنها قدمت ايضا خروج شعوب العالم لرفضها، وتحولات الاسرائيليون انفسهم ضد نتنياهو، وسلوكياته المعبرة عن غرور قاتل وهو يصرح منذ ايام بأن «اسرائيل هى الداعم الاكبر لامريكا» ثم يغير هذا الى ان «اسرائيل من اهم داعمى امريكا؟ وهى تصريحات كوميدية لرئيس وزراء تدعمه أمريكا بالمال والسلاح والأساطيل ومجلس الامن، وكل شيء، وأظن ما قدمته قنوات التليفزيون العالمية فى الحرب على غزة سيساهم فى تغيير الكثير من أساليب هذه القنوات التى بدأ تحيز بعضها واضحا، وخسرت الكثير من متابعيها من خلال مظاهرات شعوبها ،وبعض ضيوف برامجها الذين قدموا ردودا ساحقة وصادقة ضد السلوك الغربى الرسمي، وبينهم مسئولون مهمون فى الاتحاد الأوروبى وكل منظمات حقوق الإنسان، «وهو ما قدمته لنا قناة القاهرة بشكل مستمر منذ بداية الحرب» أن دور الإعلام هنا اكثر من ضروري، وأكثر من محوري، فهو يعيد للملايين من البشر حقوقهم. فى المعرفة وفى اكتشاف الكذب الذى تم منذ 76 عاماً، وهو يكشف لهم عن وجوه المعتدين بلا أقنعة السياسة والمصالح، وهو يقدم ايضا أساليب الكذب الحديثة ومدى الخراب والدمار الذى حدث لشعب بسبب الطمع فى ارضه، وايا كانت نهاية هذه الحرب، فإنها أسقطت أساطير الكذب الكبرى من خلال الإعلام والصورة وبالتالي، ان الإعلام بعد حرب غزة لن يكون مثله قبلها.