التلاعب بالأسعار واحتكار السلع واحدة من أهم التحديات التي تزيد من وطأة الأزمات الاقتصادية التي قد تعاني منها الشعوب.
وقديما قالوا إن التاجر «الشاطر» ليس فقط الذي يمتلك خبرة وذكاء في البيع والشراء لكنه التاجر الذي يتفهم جيدا متطلبات السوق ويدرك متى يحقق ربحا دون التخلي عن انسانيته فى إدراك ظروف الناس واحتياجاتهم.
من يرفع أسعار السلع، يقف ضد أهل بلده من الفقراء والبسطاء، كما أكد النبي– صلى الله عليه وسلم– أن من يرفع الأسعار مكانه النار.
وقد أجمع علماء الدين والفقهاء على أن التاجر الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء، تأكيداً لقول النبي– صلى الله عليه وسلم– في الحديث الذي رواه سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة»، ذلك أنه من أطاع الله تعالى واتبع هداه حشر مع النبيين والشهداء.
والتاجر الصدوق الأمين، لا يغش ولا يكذب أبداً مهما كانت مكاسبه، ورغم أن السوق دائماً ما يتضمن الكثير من الكذب فى البيع، لذلك من يصدق اختصه الرسول الأكرم– صلى الله عليه وسلم– بمصاحبته في الجنة.
والتاجر الامين هو الذى لا تشغله تجارته عن ذكر الله تعالى، ولا عن الصلاة، ولا عن أداء حق الله في ماله وهو الذى يتحرى الحلال ويبتعد عن الشبهات ويتحلى بالبر والصدق وتقوى الله ومن صفاته عدم الغفلة عن الصدقة، السماحة، واليسر وانظار المعسر والحط عنه، كما ان التاجر الامين الصادق هو من يبتعد عن المعاملات المحرمة والصفات الذميمة كالتعامل بالربا، وبيع الغرر، وبيع العينة، والتجارة بالمحرمات، والغش والكذب والخداع ونحو ذلك.
وللتاجر الأمين صفات حميدة، وخصال شريفة ينبغي أن يتحلى بها، منها: الصدق في البيع والشراء، فالصدق يورث البركة في التجارة، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم(: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما(.
أما التاجر الكذوب الذي يبيع آخرته بدنياه، فهو من الخاسرين في الدنيا والآخرة، فلا بركة في ماله، ولا نفع في كسبه، ولا يقبل منه عمله، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم(: (اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للبركة(، ويقول (صلى الله عليه وسلم(: (من كسب مالا حراما فأعتق منه، ووصل رحمه؛ كان ذلك إصرا عليه.
وجشع التجار واحتكارهم للسوق وارتفاع الأسعار يمثل عبئاً على المواطن في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها ومعاناة الحياة المعيشية.
وقد حثت الشرائع السماوية على أن يكون المكسب من الحلال الطيب، وحذَّرت من المكسب الحرام أو الذي فيه شبهة حيث قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)، كما نهت الشريعة الاسلامية عن احتكار السلع في عدة أحاديث، وذلك لما فيه من التضييق على الناس، فقد روى ابن عمر أن رسول الله– صلى الله عليه وسلم– قال: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون»، وكما جاء فى الكتاب المقدس فى هذا الصدد بشأن العدل والأمانة البيعية في العلاقة بين البائع والمشترى: «فوزن صحيح وحق يكون لك، ومكيال صحيح وحق يكون لك»، لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» (تث 25: 15)، والتحذير من الاستغلال «إن القليل مع مخافة الرب خير من كنز عظيم مع هم» (أم 15 : 16) كما ان الكتاب المقدس يوصى كل من المنتجين والبائعين بضرورة: «عدل الميزان والمعيار والمكسب كثر أم قل. والاعتدال في البيع بين المشترين» (سى 42 : 4، 5).
إن الاحتكار ورفع الأسعار من التاجر الجشع يزيد من العناء على الإنسان والتضييق عليه وهو امر مكروه فى الدنيا والاخرة.
هناك لا شك أسباب خارجية للأزمة الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر، لكن المؤكد أن هناك أسبابا داخلية كثيرة، تبذل الحكومة جهوداً للعمل على مواجهتها وتتخذ قرارات حاسمة لتشعر المواطنين بجديتها، ولتؤكد دائما ان المواطن هو محور اهتمام كل أجهزة الدولة كما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذا الشأن ويتابع بصفة دائمة إجراءات الأجهزة لضبط الاسواق وحماية وصون حقوق المستهلكين.
وفى هذا الصدد فإن ترسيخ فكرة الثواب والعقاب هى من أهم مقومات نجاح المجتمعات بل وأكثرها تأثير فى بناء القيم المجتمعية والاخلاقية.. والحقيقة ان هناك العديد من القوانين واللوائح المنظمة للاسواق ولا سبيل الى الاصلاح الاقتصادى والمجتمعى إلا من خلال انتاج القانون لاثره على أرض الواقع باتخاذ إجراءات قوية لترسيخ قيم الأمانة، وفى إطار تنفيذ ذلك وتعظيما لقيم الامانة فى المجتمع بصفة عامة وفى أوساط التجار بصفة خاصة فإنه يجب الاعلان عن جائزة للتميز المجتمعى سنويا لأفضل تاجر بكل محافظة أو مركز من خلال ضوابط واضحة ومحددة يشرف عليها لجنة محايدة من الاجهزة المختلفة من خلال معايير وضوابط واضحة للتقيم منها توافر الامانة والالتزام والحفاظ على حقوق المستهلكين وعدم مخالفة القانون وعدم الاحتكار أو الاستغلال لحاجة المواطن أو للظروف والازمات.
مع أهمية الاعلان عن ذلك رسميا وإعلاميا وتكريم التاجر الامين بمستوى يليق بقيمة وقدسية الامانة ثم اعلانه بالقائمة الذهبية للشرفاء، وعلى الجانب الاخر فإن التاجر المخالف أو الكيان التجارى المخالف الذى يثبت مخالفته للقانون واستغلاله لاحتياج المستهلك واستغلال الازمات الموجودة لتحقيق مصالحه الشخصية دون اعتبار لمصلحة الوطن والمواطن والذى يرتكب المخالفات التى تؤثر بالسلب على آليات السوق سواء احتكار وغش أو جشع أو استغلال وهنا يستحق عن جدارة ان تشمله القائمة السوداء فإن الامر يستلزم اعلان ذلك للعامة حتى يكونوا على علم بالمحتكرين ومعتادى الغش والخداع والاستغلال لاحتياج المواطنين، ثم الاعلان عن تلك القائمة حتى يتحقق الردع العام أمام المجتمع ولو اقتضى الامر الى اصدار تشريع ينظم ذلك.
والحقيقة ان اللائحة التنفيذية بقانون حماية المستهلك 181 لسنة 2018 بها نص يتيح لجهاز حماية المستهلك ان يعرض فى نهاية كل شهر بيان باسماء الشركات والكيانات الاكثر التزاما مع المستهلكين وبيان آخر عن الشركات الاقل التزام والتى لا تحترم إرادة المستهلكين وتهمل فى التعامل مع شكواهم والمساس بحقوقهم الاستهلاكية.
واعتقد ان الأخذ بهذا الاسلوب سوف يرسخ لثقافة الثواب والعقاب ويكرس لتعظيم قيمة الامانة والاحترام لحقوق الوطن والمواطن، ويساهم بصورة اكثر ايجابية فى ضبط الأسواق.
حفظ الله مصر.
حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم.