بالصدفة ظهر أمامى إعلان على الفيسبوك لجهة غير معلومة لعمل شهادات علمية جامعية معتمدة ومختومة لكل الجامعات وبشكل رسمى ووضعوا على الإعلان صورة لشهادة تخص جامعة الأزهر.. والمثير أنهم لم يكتفوا بإعلانهم عن تزوير شهادات التخرج فقط بل زادوا الأمر سوءا فكان العرض الآخر منح شهادات الماجستير والدكتوراه وكله بثمنه طبعا..
الإعلان بكل بساطة يكشف عن ظاهرة تمكنت من المجتمع بقوة وهى ظاهرة انتشار «الفهلوة» لتصبح هى البديل الآمن للنصب الصريح بمعنى أنك يمكن أن تدرس سنوات طوال وتتخصص فى علم ما لسنوات أخرى ثم تخرج لتطبق ما تعلمت وما تخصصت فيه لتفاجأ أنه لامكان لك لأن الساحة مليئة بالبدائل ممن يجيدون «الفهلوة» .. ونمشيها «فهلوة» ليصبح «الفهلوى افندي» هو سيد الموقف .
فى الوسط الصحفى مثلا هناك صحف قومية وصحف مستقلة كلاهما بها كفاءات وقامات قادرة على صنع صحافة مشرفة وراقية.. ولأن المجال يحتم عليك التخصص وألا تكون الساحة مفتوحة لكل من هب ودب فقد وضعت نقابة الصحفيين شروطا خاصة للالتحاق والقيد بها..
ولكن الواقع أن أصحاب نظرية الفهلوة اخترقوا السياج وصنعوا بضاعتهم التى أتلفها الهوى فخرجت علينا فى البدايات صحافة وصحف بير السلم على استحياء.. حتى تمكنت وتحولت الآن إلى وسيلة «استرزاق» يحصلون من خلالها على عشرات الآلاف من الجنيهات من شباب الصحفيين مقابل الحاقهم بالنقابة دون أدنى مسئولية.. وبالطبع يدخل ضمن هؤلاء من لا علاقة له بالعمل الصحفى ولا بالصحافة من قريب أو من بعيد.. إنها الفهلوة ..
ونفس الأمر ينطبق على الإعلام الذى أصبح فى مهب الريح بقنوات بير السلم أيضا التى تبيع الهواء لكل من دفع المقابل ليظهر على الشاشات وجوه غريبة لاتمت للإعلام بصلة..
أما فى العمل العام وهو تطوعى أولا وأخيرا فقد أصبحت «الفهلوة» هى التى تكسب دائما.. فأصبحنا نرى على الساحة وجوها لا علاقة لها بالعمل السياسى ولا الشعبى ولا الخدمى من قريب أو من بعيد ولكنهم يملكون ما يجعلهم كوادر ونجوما رغم أنهم لم يمارسوا العمل العام أو السياسة من قريب أو من بعيد..
ولم يعد الأمر قاصرا على تلك المجالات فقط فأصبحت «الفهلوة» فى كل مكان وكل مجال.. وأصبحت هى التى تحكم الرأى العام وأصبح كل من يمتلك صفحة على الفيس أو إكس خبيرا فى توجيه الرأى العام وتوجيه الاتهامات لمن يشاء والهجوم على رموز الدولة وقياداتها فى وضع لا مثيل له فى العالم أجمع.. وأصبح من يمتلك مجرد صفحة واحدة إعلاميا يحمل درجة الدكتوراه الوهمية أو يحمل لقب المستشار أو السفير وهو فى الواقع لا يحمل شهادة محو الأمية..
الخلاصة أن «الفهلوى أفندي» جعل «الفهلوة» أسلوب حياة.. بل جعلها بكل أسف سمة العصر الحديث.