بما أنه ليس صراعاً بين سلطتين متناظرتين وليست حرباً بين جيشين متكافئين فماذا يجب أن نطلق عليه إذن؟ أتحدث عن ماهية القضية الفلسطينية، وأفكر مليا وبهدوء فى تأصيل بعض مفردات القضية، البداية هى احتلال مجموعة من العصابات الصهيونبة المسلحة للأراضى الفلسطينية ولكن بشكل يختلف عن كل حالات الاحتلال التاريخية المعروفة، لكن ربما يكون هناك وجه شبه بين وصول الإسبان والبرتغاليين إلى الأمريكتين عبر رحلات المكتشفين الأوائل كريستوفر كولومبوس وفاسكو ديجاما وهنرى الملاح وغيرهم وما تبع ذلك من وصول الأوروبيين وسيطرتهم على أمريكا وسحقهم للسكان الأصليين من الهنود الحمر، عموماً هذه الشبه ليس له قيمة أو دلالة إلا تفسير الاحتواء الأمريكى اللامحدود و اللامشروط لإسرائيل، لكن وسط زحام التحليلات وتضارب الآراء وتناقض الرؤى يبرز أمامى سؤال أراه فى تقديرى – حال الإجابة عليه – هو أهم نقطة فى منهج القضية، السؤال باختصار، هل القضية التى يطلق عليها البعض صراعاً أو نزاعاً هى فى الأساس «دينية» أم سياسية؟ وبمعنى أبسط هل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى صراع ذو طابع ايديولوجي؟ أم هو صراع سياسى ويستخدم الدين لتحقيق أهدافه؟ وهنا وفى سبيلنا للبحث عن إجابة صحيحة لابد وأن نعيد الأمور إلى نصابها ونفكك المعادلة إلى مكوناتها الأولي، فى البداية لابد وأن نذكر أن تيدور هرتزل كان علمانياً وغير متدين تماماً وكانت ارض فلسطين أحد الخيارات المطروحة من الأرجنتين وأوغندا وسيناء، وهذا يؤكد أن الصراع بدايته كانت سياسية حيث يوجد شعب مشتت فى اصقاع الأرض يبحث عن وطن قومى وأمامه اختيارات منها أرض فلسطين، هنا ربما جاء دور رجال السياسة الذين استخدموا أوراق الدين لتمرير مشروعاتهم السياسية، ومن الجانب الفلسطينى لم تكن المقاومة الفتحاوية ذات طابع دينى بل كان معظم قادة فتح على الطرف الآخر من نهر الراديكالية الإسلامية، لكن ظهور حماس وخروجها من رحم حضانات الإخوان وتصديها للمقاومة وإصباغها بصبغة دينية للدق على أوتار القلوب فى مشارق الأرض ومغاربها أمام غض إسرائيل الطرف عما يجرى لأنه يصب فى غير صالح منظمة التحرير الفلسطينية التى كانت تراها إسرائيل عدوا إرهابيا قبل أن تظهر حماس، الخلاصة هنا هى ضرورة البحث عن إجابات حقيقية وغير ملونة على سؤالى البسيط مرة أخرى هل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى صراع دينى يتحرك فى سياقات سياسية؟ أم صراع سياسى يتحرك فى مسارات دينية؟ هذه الإجابات ستقودنا إلى تفسيرات لكل المواقف والقرارات التى نراها تحدث أمام أعيننا ولا نجد لها تفسيراً، نتنياهو يتحدث عن الأغيار والأخيار والعماليق وسفر التكوين والسبط البابلى وأهل النور وأهل الظلام ويهودا والسامرا ويحاول ان يدين الصراع السياسي، والمقاومة الإسلامية تتحدث بآيات من القرآن – حمالة أوجه – عن الصراع بين المسلمين واليهود وحتمية المعارك الكبرى إلخ، فإذا كانت الحرب دينية فلا ما لها سياسياً، وإذا كانت سياسية فيمكن الوصول الى حل مهما كانت التحديات، أجيبونى يرحمكم الله.