كانت ومازالت السردية المصرية هى السردية المتكاملة والتى لا تحتاج شرحاً ولا تحتمل أنصاف الحلول، الرواية المصرية الثابتة تاريخياً تجاه القضية الفلسطينية وكذلك جملة المواقف المصرية تجاه الأحداث الراهنة ترتبط بالحق وكذلك الواقعية السياسية دون الدخول فى دوامات دغدغة مشاعر الجماهير.
لقد كانت دعوات الرئيس السيسى المتكررة والواضحة للانخراط الفورى فى ايجاد «حل نهائي» واقعى وقابل للتطبيق ويحافظ على الحقوق الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونية 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، الرئيس وكعادته فى كل تحركاته الكبرى ينظر بواقعية شديدة إلى كل التفاصيل ويتخذ قراراته بحكمة بالغة، لذلك دعا الرئيس إلى القفز بعيداً عن طريق المطبات التاريخية والعقبات التى عطلت كل مسيرات عمليات التفاوض السابقة، فالبحث «واجب» عن طريق جديد بسياق مختلف لأفكار مبتكرة، الرئيس يدعو لمؤتمر دولى عاجل وشامل وجديد وجاد للسلام فى الشرق الأوسط تكون مخرجاته محددة «بإقامة الدولة» كقرار وواقع وليس الدعوة لإقامتها بالكلمات والمفردات، فلا يمكن أن نجد آذاناً تصغى لمزيد من الوعود البراقة والكلمات المعسولة، فلقد تضافرت كل إخفاقات الماضى مع قسوة وآلام اللحظة الراهنة فكان المحصول «شكوكاً ممتدة» وعدم ثقة متناهية، لنا أن نتخيل أن نداء جديداً يصدر من ذى صفة فى الشأن الفلسطينى يدعو لإعادة مسيرة المفاوضات والانخراط مجدداً فى هذا المضمار، هل سيصدقه أحد؟ وهل سيثق فيه أحد؟ وهل سيتغير الواقع قيد أنملة؟ الرئيس السيسى وقف ليخاطب ضمير العالم بضرورة وقف أصوات المدافع وحقن دماء الأبرياء ومحاولة بناء جسور جديدة من الثقة يمكن أن نعبر عليها إلى واقع جديد قابل للتطبيق الفورى ودون تأجيل، فأوسلو 1 فشلت وأوسلو 2 لحقت بها والمبادرة العربية لم تجد من يقتنصها على أنها فرصة إستراتيجية، لذلك فنحن فى حاجة ماسة إلى مؤتمر أوسلو جديد لكنه يجب ألا يكون كأوسلو القديم الذى جاء كنتاج عملية إجهاض فاشلة، بيد أن مصر ومن خلال جملة التصريحات والمواقف الرسمية قد وضعت يدها على الحلول النموذجية للقضية الفلسطينية، فاذا كانت النوايا صادقة وقادرة على صياغة حل حقيقى فيمكن التحرك الفورى بما يلي:
> الدعوة لمؤتمر دولى جديد ومتعدد الأطراف لوضع اتفاق حول آلية إقامة الدولة الفلسطينية بشكل نهائي.
> يمكن أن تكون مدينة «العريش» هى المكان المناسب بما تحمله من دلالات سياسية وجغرافية موازنة على أساس أنها نتاج عمليات الحرب من أجل السلام والسلام من أجل العيش المشترك بين مصر وإسرائيل.
> ضرورة المسارعة بالاعتراف بدولة فلسطين قبل انعقاد هذا المؤتمر فى مجلس الامن والأمم المتحدة ودول الاتحاد الاوروبى والأفريقى والدول العربية والإسلامية ودول الاسيان وكل دول العالم أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.
> ضرورة وضع تصور «مالى – اقتصادي» جديد على غرار مشروع مارشال بتكاتف إقليمى ودولى من أجل بناء الدولة الوليدة بشكل يضمن لها الاستدامة والبقاء مع الوضع فى الاعتبار تكاليف إعادة الإعمار.
> وضع إطار زمنى لتفعيل ما تم الاتفاق عليه بضمانات واضحة من مجلس الأمن والدول دائمة العضوية فيه مع الأطراف الإقليمية ذات الصلة.
> تكون كل «المخرجات» السابقة الواردة فى كل المؤتمرات الخاصة بفلسطين «قرارات مجلس الأمن – التقسيم – كامب ديفيد – مدريد – اوسلو 1 – اوسلو 2 – المبادرات العربية» بمثابة «مدخلات» للمؤتمر النهائي.
> ضرورة إجراء انتخابات فلسطينية عاجلة فى كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية حتى يكون هناك ممثلون شرعيون منتخبون يجلسون على مائدة المفاوضات للوصول إلى حل نهائي.
> عدم القبول – مستقبلاً – بوجود ميليشيات أو فصائل مسلحة على أرض الدولة الجديدة تحت أى ذريعة، طالما هناك دولة ذات سيادة.. إننا إزاء فرصة تاريخية حقيقية خرجت من رحم الأزمة فهل نقتنصها؟