تُمثِّلُ قدرةُ مصر على المحافظة على أمنها القومى أحد أهم مقومات قوتها ومكانتها، وتتمثل هذه القدرة فى حماية مصر لأمنها الداخلى والخارجى وتوفر الوسائل اللازمة لمواجهة الأزمات والتحديات المختلفة مع عدم التأثير على تحقيق معدلات النمو البشرى والاقتصادي، إلى جانب الحفاظ على الهوية المصرية فى ظل المتغيرات الدولية المتلاحقة. ويتحقق أمنُنا القومى من خلال منظومة متكاملة متناغمة من المؤسسات الوطنية التى تعمل من أجل تحقيق هذا الهدف السامى والواجب الدينى والوطني.
ومن أهم الفئات التى يقع على عاتقها دور كبير فى حماية الأمن القومى المصرى فئةُ الدعاة وعلماء الشريعة والمؤسسات الدينية ممن يتخذون منهج الأزهر الشريف الوسطى نبراساً لهم؛ حيث إن تحديات الأمن القومى المصرى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية تصحيح المفاهيم الشرعية وقِيَم الدين وتعاليمه التى حرَّفتها الجماعات المتطرفة؛ وبخاصة جماعة الإخوان الإرهابية، وابتعدت بها عن طريق التسامح والتعايش والوسطية التى أنزل الله الدينَ عليها، ومن أجل ذلك أراد أعداء الوطن استغلال جانب الهُوية الدينية المميزة للشعب المصرى وحاولوا إبعادَه عن مزاجه الوسطى وإحلال العنف والإرهاب محله؛ فعملوا على استغلال ذلك الجانب لتحقيق أهدافهم؛ الأمر الذى يفرض على العلماء واجباً دينيًّا وقوميًّا ومجتمعيًّا لمواجهة تحديات الأمن القومى عن طريق تحصيل الوعى التام بهذه التحديات وما يتفرع عنها، ثم العمل بعد ذلك على بيان الأبعاد الخبيثة لهذا المخطط ومظاهره لفئات الشعب، وخاصة الشباب المصري، وتقديم الحصانة الشرعية اللازمة.
ومن هذا المنطلَق وجب على أهل العلم القيام بالبيان الشرعى لما يتعلق بهذه القضايا على عدة محاور لسدِّ هذا الجانب، ومن هذه المحاور الكلية:
أولاً: بيان العلماء لأهمية قضية الانتماء الوطنى لبلدنا مصر، وأن المواطنة سُنَّةٌ نبويةٌ، وإظهار التأصيل الشرعى لهذا ببيان أدلَّته من الكتاب والسُّنة وأقوال أهل العلم، ردّاً على ما تم نشره من أفكارٍ مغلوطةٍ حول تعارض الانتماء الوطنى مع تعاليم الدين؛ فالوطن هو حصن الدين ومحل ظهور ملامحه وشريعته، وبدون الوطن لن يكون هناك ملمح حقيقى موجودٌ للدين والشريعة.
ثانياً: التحذيرُ من مبدأ الانتماء للجماعات الإرهابية والتيارات المنحرفة والتأثر بأفكارها، وبيان أن هذه الجماعات هى من طائفة الخوارج التى حذرنا النبى الكريم عليه الصلاة والسلام من الانخداع بقولهم أو حالهم وعبادتهم، مع التأكيد على أن انتماء المسلم هو لأُمَّته ووطنه، وأن جميع المسلمين داخلون فى مفهوم الجماعة المسلمة؛ فلا بيعة لجماعةٍ ولا ولاءَ لها.
ثالثاً: بيان العلماء للمبدأ الشرعى بوجوب طاعة ولى الأمر والاصطفاف خلفه ومساندته والتعاون معه ومع كافة مؤسسات الدولة على حفظ البلاد وخدمتها؛ فإنَّ ذلك هو طريق الصلاح الذى به يُحفظ الدينُ وتُقام شعائرُه، وبه تقوم الدنيا وتدور معيشة الناس، وهذا أمرٌ يشهد له الشرع والعقل وواقع الحياة. هذا مع التحذير من الاستجابة لدعاوى تخريب الوطن والصدام مع مؤسساته تحت مسمياتٍ خدَّاعةٍ زائفةٍ.
رابعاً: على أهل العلم والدعاة التصدى بقوة للفكر التكفيرى الذى انتشر بين أوساط بعض الفئات؛ وخاصةً بعض شبابنا الذين وقعوا فى براثن الأفكار المتطرفة، وبيان بطلانه من الناحية الشرعية، وبيان عظيم حرمة شهادة أن لا إله إلا الله، التى تحفظ الدم والمال والعرض، وبيان أن الإسلام يقينٌ لا يزول بالشك، فالحكم بالتكفير ليس لآحاد الناس وإنما هو للقضاء، والعمل على نفى فكرة جاهلية المجتمع، التى يعمل من خلالها المتشددون بأنواعهم على نقض تماسكه ووحدته والتفريق بين أبنائه.
خامساً: تأكيد العلماء على بيان الدَّور الحضارى للشريعة الإسلامية؛ فهى حضارة بناء وتعاون ومحبة وتعايش، لا صدام فيها ولا نزاع ولا كراهية مع الآخر، وبيان أن عمارة الأرض والتعاون مع البشر جميعاً هو مقصدٌ شرعيٌّ، وبناء الوطن والحفاظ على مقدراته ومقومات وجوده من أوجب الواجبات الشرعية فى أيامنا هذه، والعمل مع أجهزة الدولة ومؤسساتها فى سبيل تحقيق ذلك من القربات إلى الله تعالي.
سادساً: التحذير من المسلك السلبى لدى بعض الفئات تجاه القضايا الوطنية وحفظ أمن البلاد؛ فالأمن من أكبر نِعَم الله علينا فى مصرنا الحبيبة، والذى يتهاون فى هذا الجانب يقع فى الإثم الشرعي؛ لأنه ينقض بذلك مقاصد الشريعة الإسلامية.
سابعاً: من أهم الأمور التى يجب على العلماء التحذير منها الانسياقُ وراء الشائعات والدعاوى الباطلة التى تصدُر من أبواق الضلال المأجورة فى الداخل والخارج، والتى تعمل على بثِّ روح اليأس فى نفوس الناس، وتعمل على إظهار كل إنجازٍ وجهدٍ يحدث فى بلادنا بمظهرٍ لا يوافق الحقيقة، وتدعو إلى الصدام والخروج عن النظام الضابط للمجتمع، مع بيان فساد الدعاوى التى تستهدف ضرب الدَّور المصرى فى المنطقة لصالح دول معينة.
ثامناً: العمل على نشر الوجه السمح للشريعة الإسلامية وبيان الجانب الروحى الأخلاقى للإسلام، مع التأكيد على أن هذا هو ما يمثل حقيقة الإسلام؛ بما يمهِّد الطريق لعودة المرجعية الوسطية السمحة لدى الفئات المضلَّلة، مع التأكيد على أهمية الجانب العقلى المميز للشخصية المسلمة، والتحذير من الانسياق وراء العاطفة والحماسة فى الحكم على الأمور والقضايا.
ومن أهم المجالات التى تحمى أمننا المصرى تصدى العلماء للهجمات الفكرية المتعددة، الداخلية منها والخارجية، التى تعمل على تكوين مرجعيات فكرية تختلف تماماً عن قِيَمنا الدينية، والتى تتمثل مرجعيتها الفكرية الأساسية فى الأزهر الشريف وعلمائه. وهذه الهجمات تهدُف بما تسعى إليه إلى العبث بمكونات الشخصية المصرية وتبديلها بحيث تؤدى إلى ظهور جيلٍ مختلفِ الهُوية ضعيفِ الانتماء.
إن مصرَ بلدَنا الحبيب تمر بمرحلة دقيقة فى تاريخها، وعلى العلماء القيام بواجبهم الشرعى فى هذا الأمر، فتلك أمانةٌ فى أعناقهم.