يبدو أننا وصلنا إلى محطة «التسليم والتسلم» الفاعلون الجدديتسلمون الرايات من قدامى الفاعلين المنتهية صلاحيتهم، والجميع تقابلوا فى محطة «الفك والتركيب»، بيد أن الحقبة الإيرانية بفواعلها من دون الدول وهم «حزب الله فى لبنان/حماس والجهاد فى فلسطين/الحوثى فى اليمن/الحشد الشعبى العراق/ العلويين فى سوريا» هذه الفواعل ضعفت بفعل الضربات المتتالية ويبدو أنها قد ولت ودخلت مرحلة عدم الصلاحية وبالتالى عدم القدرة على الاستمرار على الأقل بنفس القوة، ففى تقديرى أن حقبة جديدة قد بدأت بالفعل تقودها أنقرة التى ربما تحل محل إيران فى العديد من الملفات الإقليمية المعقدة.
>>>
فأنقرة لها حضور مهم لا تخطئه عين فى ليبيا والعراق والصومال والسودان وأخيراً سوريا، حيث رصدنا خلال الأيام الماضية فقط العديد من الإشارات التى تؤكد تواجدها القوى والمؤثر فى المشهد السورى شديد الخطورة والتعقيد والضبابية، تصريحات عديدة للرئيس اردوغان واضحة ومعلنة وحاسمة تصب فى صالح الفصائل التى حملت السلاح ودخلت إلى العاصمة دمشق وأطاحت بالنظام الهش الذى كان يقوده بشار الأسد، شاهدنا كذاك تجول إبراهيم كالين رئيس جهاز الاستخبارات التركية فى شوارع دمشق مستقلا سيارة يقودها أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني، بالإضافة إلى اجتماعات واتصالات هاكان فيدان وزير الخارجية التركى سواء فى تجمع آستانا أو الاتصالات الثنائية أو المقابلات المباشرة.
>>>
لا يمكن لعاقل أن ينكر حق تركيا فى متابعة الشأن السورى والاهتمام به على أساس أنها دولة جوار ممتد وفى شمالها يتمدد عدو تركيا اللدود مظلوم كوبانى قائد قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بقوات «قسد» والتى تطمح إلى حكم ذاتى فى سوريا، وترى تركيا أن تحقيق ذلك سيمثل طعنة لأمنها القومى فى محوره الجنوبى حيث يتواجد الأكراد فى جنوب تركيا وشرقها، وسيكون وفق هذا المنحى دور ما للقادمين الجدد بقيادة الجولانى فى إعادة ترتيب الأوراق المبعثرة، بيد أن إسرائيل لن تكون بعيدة عن مرحلة «رسم اللوحة الجدارية للخريطة السورية المستقبلية»، فالدروز معظمهم موالون لإسرائيل بل إن أحدهم طالب بضم السويداء وجبل الدروز لدولة الكيان دون خجل! وآخر طالب بدولة علوية وأخرى سنية ولا يغيب عنا ما يشاع حول حلب وما يمكن أن يصيبها مستقبلاً
>>>
إذن نحن أمام معادلة جديدة بمدخلات جديدة ومسارات مختلفة للصراعات، لكن علينا ألا نغفل أن الفاعلين القدامى لم يستأصلوا من المعادلة تماماً فوجودهم جزء أصيل من الجغرافيا السياسية، فمع تسليمنا بضعف محور إيران وتوابعها مع انشغال الروس بأوكرانيا وهذا يفسر سرعة انهيار الأسد وهروبه، لكن إذا ضعفت الأطراف فلا يعنى هذا أن الرأس قد ضعفت بنفس المقدار، فإيران دولة كبيرة تضعف لكنها لن تموت ولن تستطيع أية قوة محوها من الخريطة كقوة إقليمية مثلها مثل مصر وتركيا تماماً وتضيف إليهم إسرائيل بحكم الواقعية السياسية مع عدم إغفال دول الخليج كجزء أساسى من المعادلة التى لا تغفل عين أمريكا عنها لحظة واحدة، أما الفاعلون الجدد فسيكونون ملء السمع والبصر خلال المرحلة القادمة، سنسمع كثيرا أسماء الجولانى ومظلوم كوبانى والبرزانى وسيطل تنظيم القاعدة مجدداً على المشهد لمناكفة الجولانى عضوه السابق الذى خرج ومرق وانتصر بعيداً عنهم، ستعود داعش من خلال الخروج المخطط من معسكر الهول وسجون قسد فى الشمال، سنرى مشاهد مختلفة لكنها فى نفس «اللوكيشن» وبنفس أدوات التصوير أما النتائج فستكون مأساوية على الدولة الوطنية.