فارق كبير بين سياسة الترقيع التي سادت لفترات طويلة، وبين الإصلاح الحقيقي المبنى على رؤية والمستند إلى العلم والقائم على معلومات ودراسات وأفكار الخبراء والمتخصصين.
وما يحدث الآن في ملف التعليم عملية إصلاح حقيقية لا ينفرد بها الوزير كما يروج البعض عمدًا، وإنما يقوم عليها مجموعة من العقول المصرية الخبيرة يقدمون رؤيتهم بناء على دراسات ونظرة شاملة للمستقبل، يستهدفون بها منتجًا تعليميًا يمتلك مهارات ومواهب حقيقية وليس مجرد خريج حاصل على شهادة قد لا يعرف حتى قيمة الورقة التي كتبت عليها.
نحن الآن أمام مشروع وطني حقيقي حصيلته المؤكدة ستكون الصالح الأسرة والمجتمع المصري، لكن هذا المنتج لن يتحقق في يوم وليلة وإنما يتطلب وقتًا وجهدًا وتحملًا، التغيير في ملف التعليم يتطلب في العادة جيلًا كاملًا، لكن المهم هو مساندة المجتمع لهذا التوجه، لأنه كما نعلم جميعًا هناك «مافيا» لا تريد النجاح لأى مشروع تعليمي طالما أنه يهدد مصالحهم، وكثيرًا ما كانوا سببًا في فشل مشروعات كانت مبشرة، وانتهت قبل أن تكتمل لأن الدولة وقتها لم تتحمل الضغط ولم تستطع أن تقاوم دوائر الفساد والمصالح، وأحيانا كان سبب الفشل لأن الوزير القائم على تنفيذ المشروع لم يكن قادرًا على مخاطبة المجتمع، وشرح رؤيته واقتاع الرأى العام بالفكرة.
الآن نفس المافيا لا تتوقف عن هجومها ومحاولاتها الحصار المشروع وافشاله، لكن المختلف هذه المرة أن الإرادة السياسية موجودة بقوة، فالرئيس السيسي يعتبر الإصلاح الشامل قضيته الأولى وفي القلب منه إصلاح التعليم الذي لا يمكن البناء والتنمية بدونه.
كما أن الوزير المسئول الآن عن الملف، محمد عبد اللطيف، يمتلك قدرة على المواجهة، وليس من الوزراء الذين يؤثرون السلامة أو يسايرون الموجة وإنما لديه شخصية واقتناع بما يفعل.
وفي الوقت نفسه وجود نائب لرئيس الوزراء للتنمية البشرية وهو الدكتور خالد عبد الغفار صاحب الخبرة الكبيرة والشخصية الهادئة زاد القدرة على التعامل الناجح في مخاطبة الرأي العام، وكشف الحقائق حول كل خطوات التطوير.
نعلم جميعًا أن الهدف الأول المشروع التطوير هو الانتقال من أسلوب الحشو المعرفي الذي لا يفيد في صناعة العقول، إلى أسلوب يعتمد على الفهم والتفكير العلمي، وتعليم الطالب كيف يفكر ويبحث ويجتهد ويعمل عقله.
الهدف الثاني أن تكون المدرسة هي مصدر التعليم وليس السنتر أو الدروس الخصوصية، بما يرهق الطالب ويتثقل ميزانية أسرته.
الهدف الثالث تحويل المدرسة من مكان غير مرغوب إلى مكان جاذب لكل الطلاب، ولهذا وجدنا نسبة الحضور كما رصدها زملائي محرري التعليم المتميزون بالجمهورية تخطت هذا العام الـ 80 بالمائة تقريبًا وهو رقم لم يتحقق منذ سنوات طويلة.
وكل هذا بالتأكيد لا يقبله أباطرة الدروس الخصوصية والمتربحون من السناتر والمراهنون على قتل المدرسة، ويحاولون بشتى الطرق ضرب المشروع وإرباك الوزارة وحصار الوزير بالكثير من الشائعات التي تستهدف أن يتحول من قيادة عملية تنفيذ مشروع الإصلاح التعليمي إلى مدافع كل مهمته أن يتصدى للضربات.
معلوم أن أي وزير ينجح في ملفات ويتعثر في أخري، وليس معنى هذا أنه فاشل أو غير قادر على العمل وكم من مسؤل تولى وزارة أو جهة وكانت له عثرات، لكن لم يعن هذا انه فشل بل كثيرون سجلوا نجاحات تاريخية في ملفاتهم، وبعضهم على عظم ما حقق من نجاحات لم تعترف بها إلا بعد أن غادر منصبه بسنوات لأن حصاد التعليم ليس سريعًا.
والوزير الحالي للتربية والتعليم من الطبيعي أن تكون له عضوات والخفاقات لكن هذا لا ينفى أنه قطع خلال الفترة القصيرة الماضية خطوات جيدة في سبيل تحقيق التطوير وتحمل الكثير من الهجوم والترصد الذي وصل إلى حد التجاوز في شخصه بشكل غير لائق، ورغم ذلك لم يتراجع ولم يخش المواجهة، بل أصر على المواصلة واستكمال الطريق.
وهذا في رأيي سيكون أحد أسباب نجاحه، خاصة وأن هناك الآن مجموعة من العلماء في عضوية المجلس الوطني للتعليم أصحاب رؤية وخبرات ضخمة، وليست لهم مصالح سوى ما يحقق المصلحة العليا فيقدمون أفكارًا جيدة ستكون ثمارها في المستقبل متميزة.
وكل ما هو مطلوب الآن الصبر والدعم المجتمعي والإعلامي ومن المثقفين، ليس دعمًا للوزير وإنما لخطة الإصلاح الوطنية التي ستكون نقطة فاصلة فى مسار التعليم الذي ما زال يحتاج الكثير والدليل موقعنا في المؤشرات المعرفية الدولية.
وبدلًا من أن تتأثر بسيطرة مافيا المصالح على السوشيال ميديا والجروبات الخاصة، علينا أن تناقش قضية التعليم بجدية وأن نطرح كل ما هو إيجابي وأن نصنع وعيا مجتمعيا. بأننا نحتاج بشدة إلى الإصلاح، لا تهمل السلبيات بل نناقشها ونطرح بدائل لها، وفي الوقت نفسه تؤكد على الإيجابيات وهي كثيرة ومهمة لكنها تقود وسط زحمة الترصد والاستهداف للوزير والمشروع.
وهنا أيضا أدعو الوزير ألا يتوقف عن لقاءات وحوارات المثقفين والخبراء والعلماء الجسر الفجوة التي يحاول البعض عمدا أن يوسعها وأثق أن الوزير قادر على إفشال هذا المخطط وشرح رؤيته و تقريب المسافات مع المفكرين والكتاب وقادة الرأي.