ما إن يهلّ هلال العيد حتى تنبض الحياة بالفرح، وترتفع التكبيرات معلنة زمن المحبة والتسامح.
إنه احتفال بانتصار الروح وتجدد الأمل، حيث تلتقي القلوب وتفيض الأيدي بالعطاء، مؤكدًا أن السعادة الحقيقية تكمن في التواصل والمودة. إنه عيد الفطر، عيد الطاعة والانتصار على الشهوات، وتجدد الأمل في القلوب ،العيد ليس احتفالًا عابرًا، بل موسم تزدهر فيه القيم الإنسانية بأبهى صورها.
فمنذ فجر الإسلام، كان العيد رمزًا للتكافل، حيث تسبق فرحته زكاة الفطر، لتشمل البهجة كل محتاج.
والتكبيرات التي تعلو في الصباح ليست مجرد ألفاظ، بل سيمفونية روحية تعبّر عن الشكر والامتنان، وتذكّر بأن الفرح في الإسلام متصل بالطاعة، وأن الاحتفال بالحياة نعمة تستوجب الحمد، في العيد، تتهاوى جدران القطيعة، وتُنسى الخلافات، وكأن الزمن يمنحنا صفحة جديدة نكتب فيها قصص المودة من جديد. الأبواب المغلقة تُفتح، والأيدي المبتعدة تلتقي بالمصافحة، حتى تغدو البيوت واحات عامرة بالحب والدفء العائلي.
أما الأطفال، فهم أبطال المشهد الأجمل، حيث ترسم البسمة على وجوههم قصائد فرح، تمتد من ثيابهم الجديدة إلى أعينهم التي تشع دهشة بكل حلوى ونقود تُمنح لهم بكرم العيد.
فقد حرص النبي ﷺ على أن تكون فرحة العيد شاملة للجميع، وكان يوصي المسلمين بإدخال السرور على الصغار، حتى جاء في الأثر أن الصحابة كانوا يصطحبون أبناءهم إلى المصلى ليتذوقوا بهجة العيد مع الكبار، وإذا كان العيد مظهرًا للبهجة، فهو أيضًا ذاكرة تسكن التاريخ.
فمنذ أيام الرسول ﷺ كان العيد مناسبة يجتمع فيها الناس، يتبادلون التهاني، ويتصافحون قائلين: “تقبل الله منا ومنكم”.
وفي عصور الخلافة الإسلامية، لم يكن العيد مجرد احتفال، بل كان موسمًا للعلم والتبادل الثقافي، فقد كانت مجالس بغداد وقرطبة تعج بالمفكرين والعلماء، حيث كانت بعض حلقات العلم تُعقد احتفاءً بهذا اليوم، لأن الفرح في الإسلام لا ينفصل عن نور المعرفة، ورغم أن العيد ارتبط بالفرح، فقد شهد التاريخ أيامًا امتزجت فيها البهجة بالحزن. كما في اجتياح المغول لبغداد عام 1258م، حيث خيّم الصمت بدل زينة الشوارع، وحلّ الدعاء محل التهاني.
ورغم ذلك، ظل العيد رمزًا لتجدد الأمل، يؤكد أن المحن تزول، وأن الفجر ينهض من جديد، العيد ليس بهجة المقتدرين وحدهم، بل اختبار لإنسانية المجتمع.
فبينما يرتدي البعض الجديد، هناك من ينتظر لفتة رحمة تجعله يشعر أنه ليس منسيًا في زحام الفرح.
وأجمل العيد ليس في زينته، بل في ضحكة تُرسم على وجه طفلٍ يتيم، أو مصافحة تُعيد الود بعد طول خصام، وحين يأتي المساء، ويبدأ العيد في الانسحاب رويدًا، يترك خلفه أثرًا ناعمًا في القلب، وكأنه يقول: “الفرح ممكن، والمودة ممكنة، والتغيير ممكن”. فالعيد لا يقتصر على أيامه، بل هو شعور يحمله الإنسان داخله، يجعل كل لحظة عيدًا.