ذكر لى أحد الزملاء تجربة فريدة مع طبيب متخصص فى الأمراض الجلدية.. وللدقة أحد الأساتذة المصريين المتميزين فى هذا التخصص. قال إنه أصيب قبل سنوات بمرض جلدى شخصه الأطباء على انه اكزيما عصبية، ووصفوا له أدوية مضادة للحساسية كانت تسبب لها نعاسا وعدم تركيز، ومراهم تحتوى على الكورتيزون.. واستمر فى العلاج لمدة تزيد على خمس سنوات متواصلة كانت الأعراض المؤلمة خلالها تختفى بالعلاج ثم لا تلبث تعود اشد صعوبة وإيلاما.. كان يعانى من حكة جلدية تصل إلى حد إصابة بعض مناطق البشرة بما يشبه التليف بالإضافة إلى النزف المتكرر والالتهابات المستمرة.. وأصبح التردد على الأطباء وتناول الدواء جزءاً لا يتجزأ من «روتين» حياته اليومية.. ولأنه اكتشف من خلال تردده على عدد كبير من أطباء الجلد أن كل الأطباء يفعلون الشيء نفسه.. سواء فى التشخيص أو وصف العلاج.. لم يعد يهتم كثيرا بالانتظام فى التردد على طبيب بعينه.. كان يتوجه إلى أى طبيب جلد يصادفه.. الشرط الوحيد أن يكون أستاذا فى الجامعة.. أى جامعة.
يقول محدثي: توجهت بناء على نصيحة صديق إلى طبيب نصحنى بزيارته بعد أن أكد نبوغه فى علاج الأمراض الجلدية.. وعندما دخلت العيادة أفزعنى الزحام الهائل فى قاعة الانتظار ما يعنى انه يتوجب على الانتظار عدة ساعات قبل أن أحظى بشرف مقابلة الطبيب النابغ.. فقررت إلغاء الفكرة والبحث عن طبيب آخر.. وللمصادفة كان فى الشقة المجاورة تماما طبيب آخر يعمل أستاذ ورئيس قسم الأمراض الجلدية فى احدى الجامعات.. ولدهشتى كانت العيادة خالية تماما من المرضى ما جعلنى للحظة اشك فى قدرات هذا الطبيب.. ولكنى تأكدت فيما بعد من أن شهرة الطبيب فى عالمنا العربى ليس لها علاقة بكفاءته، ولكن بقدرته على تسويق اسمه وترويج بضاعته واجتذاب الزبائن عبر وسائل الإعلام.
المهم دخلت العيادة وبالطبع قابلت الطبيب فورا.. وكان أستاذا وقورا مهيبا.. نظر الطبيب الكبير على بعض مناطق الاكزيما فى جلدى نظرة عابرة وسألنى سؤالا لم يسأله طبيب قبله وهو ما إذا كان أى من أقارب الدرجة الأولى مصاب بالربو أو بأى شكل من أشكال الحساسية وعندما أخبرته بأن والدى مصاب بالربو قال لى أنت أيضا مصاب به ولكن فى الجلد فالعامل الوراثى من العوامل المهمة للإصابة بالحساسية بكل أنواعها.. وبدأ يدردش معى ويطرح على تساؤلات حول كل شيء إلا مشكلتى التى توجهت إليه بسببها.. سألنى عن طبيعية العلاقة مع زوجتى وما إذا كانت هناك مشاكل أسرية وعن طبيعة عملى وما إذا كنت أتعرض لضغوط فيها وعن هواياتى وعلاقاتى مع الزملاء فى العمل والجيران وعشرات الأسئلة التى جعلتنى أعتقد أنه يحاول أن «يسلي» نفسه بسبب عدم وجود مرضى غيرى فى العيادة.
ولن انسى أبدا ما قاله لى بعد ذلك.. قال إن حالتى هى نوع من أنواع الحساسية الجلدية.. والحساسية ليس لها دواء يقضى عليها وكل ما يفعله الطب هو منع نوباتها أو محاولة التقليل من هذه النوبات.. وأن أول وصفة وأهم وصفة لتقليل النوبات هى محاولة تجنب كل ما يثير مشاعر الغضب والقلق والتوتر والشد العصبي.. فالتوتر والقلق والغضب لا يغير الواقع بل يشل التفكير ويعوق التصرف السليم ويفاقم الأمراض الكامنة وفى مقدمتها الحساسية الجلدية التى تعانى منها.. كتب لى عبارة شديدة الغرابة وقال: لتكن هذه وصفتك الأولى قل لكل منغصات الحياة «طظ».. أما الوصفة الثانوية فهى برنامج علاجى مكثف لإخراجك من النوبة الحادة للمرض. والآن أصبحت تمر على سنوات دون أن تعاودنى نوبة الحساسية بفضل نصيحة غريبة من طبيب كبير فى عيادة خالية من المرضي.