أعادت إسرائيل، بغاراتها الجوية العنيفة على قطاع غزة الفلسطينى وأهله ليلة الثلاثاء ـ أول أمس ـ الوضع فى القطاع وفى المنطقة العربية إلى نقطة الصفر، فى عملية يائسة وشبه انتحارية لفرض إرادتها على المقاومة الفلسطينية.
ضرب رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو عرض الحائط بكل الجهود المضنية التى بذلتها كل الأطراف الإقليمية والدولية، من دول ومنظمات وعلى رأسها مصر خلال خمسة عشر شهراً من بدء حرب الإبادة الجماعية التى يشنها على غزة، من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ثم على مدى الشهرين الأخيرين بعدها لتثبيت الاتفاق ووضعه موضع التنفيذ.
ولم تفعل إسرائيل ورئيس وزرائها ذلك بقرار منفرد، بل بالتشاور مع البيت الأبيض الأمريكي، الضامن الرئيسى مع مصر وقطر ـ لاتفاق وقف إطلاق النار، والوسيط بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية لتسهيل إجراءات تثبيته وتنفيذه.
ولقد وضح أن ترامب قد أعطى لإسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ التفويض الذى منحها إياه، بتحويل غزة إلى جحيم إذا لم تزعن المقاومة الفلسطينية لطلبه وطلب إسرائيل الإفراج عن جميع من تبقى لديها من محتجزين فوراً، فى انتهاك فج وصريح لاتفاق وقف إطلاق النار الذى لا ينص على ذلك، بل يرتب اعتزامات متبادلة على الطرفين ينفذانها بالتزامن فى توقيتات محددة على مراحل الاتفاق الثلاث، وليس فى مرحلته الأولى ومن طرف واحد.
قال ترامب إنه أمد إسرائيل بكل ما يلزمها لتنفيذ هذه المهمة.
بل أكثر من ذلك.. فعندما أعلن ترامب نهاية الأسبوع الماضي، أنه »لن يتم طرد أحد من غزة، ولا أحد يجبر سكان غزة على المغادرة«، لم يكن ذلك تراجعاً منه ـ كما تصور البعض ـ عن مخططه بتهجيرهم بلا عودة، فقد جعلهم الآن ـ بالغارات الإسرائيلية ـ أمام خيارين لا ثالث لهما: التهجير أو القتل، وبصيغة أخري: التهجير أو التدمير.
وعندما بدا للبعض منا.. أن ترامب عندما ترك الباب موارباً أمام الخطة المصرية العربية لإعادة إعمار غزة فى وجود أهلها، إنما كان يقدم مؤشراً على تراجعه عن مخططه لاستلام غزة خالية من سكانها لإقامة مشروع »ريفيرا« الشرق الأوسط محلها، لم يكن ذلك صحيحاً.. بل ها هو يتحدى الجميع من خلال استئناف إسرائيل الحرب على غزة، ويقول لنا:
ـ أرونى كيف ستدخلون بخطتكم ورجالكم ومعداتكم إلى غزة لتعميرها من يسمح لكم بذلك.
ولذلك أحسنت مصر صنعاً حين بادرت، فور بدء الغارات الإسرائيلية على غزة وأهلها، بإصدار بيان شديد اللهجة، أدانت فيه إسرائيل بأشد العبارات ووصفت غاراتها بأنها انقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار وحذرتها من عواقبه الوخيمة على الاستقرار فى المنطقة ودعت المجتمع الدولى للتدخل لوقف الغارات.
ومع تحالف ترامب ـ نتنياهو، لا يجب أن تخدعنا المظاهر أو نأخذ بالأقوال ولا نتابع الأفعال.
إن مخطط تهجير الفلسطينيين قائم بأشكال مختلفة رغم الرفض العربى والعالمى له.
أمريكا وإسرائيل تجريان اتصالات مع دول مختلفة، بينها ثلاث أفريقية حددتها المصادر الموثوقة بأنها السودان والصومال والجزء الانفصالى من الصومال المسمى بـ »أرض الصومال« الذى لم يعترف به أحد لاستقبال مهاجرين من غزة.
وأن حزماً من الحوافز السياسية والاقتصادية والعسكرية يجرى عرضها على هذه الدول لقبول العرض.
وللأسف، فإنه حين تم الكشف عن هذه الاتصالات قال متفائلون، بينهم قيادات فلسطينية إن هذه شائعات هدفها التشويش على الخطة المصرية العربية لإعادة إعمار غزة.
بينما الخطة ليست بحاجة إلى تشويش.. فقرار بدئها أو شطبها فى يد أمريكا وإسرائيل ما لم يستقر وقف إطلاق النار ويكتمل تنفيذ مراحله بما فيها انسحاب إسرائيل من القطاع وتسليمه للسلطة الفلسطينية.
وهو ما يبدو الآن أملاً بعيد المنال بسبب استئناف إسرائيل عدوانها المسلح على غزة مع استمرار اشتعال الوضع فى الضفة الغربية بفعل الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على مدنها وقراها ومخيماتها و»أقصاها«.
إن التصريحات الرسمية تقول إن أمريكا تعمل »بجد« بالتنسيق مع إسرائيل للتوصل إلى حل للوضع فى غزة.
ولنا أن نتصور البدائل المطروحة على مائدة الاثنين لاختيار حل من بينها للوضع فى غزة:
> غزة بدون الفلسطينيين.
> غزة بالفلسطينيين ولكن بدون حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة.
> غزة بالفلسطينيين وبحماس ولكن بدون سلاح أو مشاركة فى الحكم.
ويتردد أن ترامب يدرس تعيين ملياردير فلسطينى يحمل الجنسية الأمريكية اسمه »بشار المصري« يرتبط معه بعلاقات صداقة وعمل لإدارة قطاع غزة وجهود إعادة إعماره.
لقد سبق لى أن وصفت القمة العربية الطارئة التى عقدت بالقاهرة قبل أسبوعين بأنها »قمة صراع الوجود« وصراع الإرادات أيضاً.
وأن أى طرف يمتلك الإرادة، لابد له أن يمتلك كل عناصر القوة الشاملة التى تمكنه من فرض إرادته والدفاع عنها.
ومازال الطريق أمامنا طويلاً ومليئاً بالتحديات والأشواك والعقبات.
ومازال الأمل قائماً فى إزالة »التشوهات« فى العمل العربى الجماعي، وتشكيل جبهة عربية قوية متماسكة وقادرة على قيادة الأمة على طريق حل القضية الفلسطينية وإقرار سلام حقيقى عادل على أساس من الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة.