تشكلت مكانة مصر على مر العصور من مزيج متناغم من عبقرية الجغرافيا وعظمة التاريخ، فتراكم المكنون الحضارى وصنع حالة من الاستعداد الفطريّ والجينى لدى المصريين للانطلاق نحو المستقبل مع أول نداء، بيد أن المصريين لبوا نداءات كل المصلحين وصناع الحضارة من القادة البنائين العظام مثل تحتمس ورمسيس ومينا وصلاح الدين والظاهر بيبرس وعلى بك الكبير ومحمد على وسعد زغلول وجمال عبدالناصر وصولاً إلى عبدالفتاح السيسى، اليوم نرى مصر فى وضع مختلف حيث تتضافر خطوط الجغرافيا مع خيوط التاريخ لتقر واقعاً يفرض نفسه على الجميع، لقد حاول الكثيرون إهالة التراب على التجربة المصرية والتشكيك فى مكانتها وفاعلية سياساتها الخارجية، لكن النوازل والمحن والأزمات كشفت ذلك الدور المفصلى الذى تلعبه الدولة المصرية على جميع الأصعدة، لذلك وجدنا العالم وزعماءه يضبطون بوصلتهم على القاهرة وقائدها حيال الأزمات المشتعلة فى المنطقة خاصة فى فلسطين وليبيا والسودان وسوريا ولبنان واليمن والصومال وشرق المتوسط، إنها أحكام المكانة والتأثير، ولذلك أيضا شاهدنا أمس تلك القمة المصرية الأوروبية لترفيع مستوى العلاقات إلى علاقات إستراتيجية شاملة، عندما نجد مفوضة الاتحاد الأوروبى ورئيس الاتحاد وزعماء إيطاليا واليونان وقبرص والنمسا وبلجيكا فى القاهرة لاستكمال منظومة العلاقات الإستراتيجية فلابد وأن نتوقف قليلا لنستوعب ما يدور حولنا وبيننا بهدوء، أوروبا تحتاج مصر أكثر مما تحتاج مصر إلى أوروبا، ويمكن سرد تلك النقاط التى تمثل تبادلا للمصالح بين الطرفين:
– التعاون فى مجال الغاز بما تملكه مصر من منشآت عملاقة لتسييل الغاز وتصديره إلى أوروبا والتى تعيش أزمة طاقة بعد الحرب الروسية – الاوكرانية.
– التعاون فى مجال الطاقة المتجددة حيث تمتلك مصر مقومات إنتاج الوقود الاخضر والطاقة الشمسية والرياح.
– التعاون فى مجالات الاستثمار المباشر والتجارة البينية خاصة مع تعرض أوروبا لموجة جفاف واحترار أثرت على مجمل الإنتاج الزراعى والحيوانى.
– التعاون فى مواجهة الارهاب مواجهة شاملة.
– التعاون فى مواجهة ظواهر الهجرة غير الشرعية والنزوح من خلال آليات العمل على المسببات وليس الظواهر والنتائج.
– التعاون فى مجال تصدير الكوادر البشرية المصرية الشابة إلى بلدان أوروبا العجوز والتى تعانى من «تآكل سكانى» يؤثر على بقاء تلك الدول.
– تحتاج مصر إلى حزمة مساعدات مالية عاجلة للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة والتى نتجت من تراكم الأزمات الإقليمية التى أنهكت الاقتصاد المصرى خلال السنوات الماضية.
لكل ما سبق نرى أن ترقية تلك العلاقات إلى هذا المستوى الرفيع مع الإعلان عن بنود ومجالات التعاون بشكل محدد مع تقديم الاتحاد حزمة تمويلية بين منح وضمانات واستثمارات هو ثمرة جهد وعرق عشر سنوات من البناء الشامل لأجل إعادة واستعادة «مكانة مصر».