من الكوارث التى أصيب بها المسلمون سهولة التكفير، دون رادع أو زاجر، بحيث صار من السهولة أن يصف المخالفون بعضهم فكريا بالكفر، مما يفتح الباب لاستحلال دماءهم وأموالهم، وأعراضهم، وينشر الخلل المجتمعي.
أوضح د.محمد يسرى جعفر أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن المسائل والقضايا المتعلقة بالإسلام والإيمان والكفر والنفاق مسائلُ عظيمة، فإن الله علّق بهذه القضايا السعادة والشقاء، واستحقاق الجنة والنار، وكان من الفوائد التى أخذت من قوله «صلى الله عليه وسلم»: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما» لما يقتضى الزجرُ عن التكفير، والتحذيرُ منه، والوعيدُ الشديد لمن تورط فيه دون بصيرة، مشيرًا إلى أن الأصل فى المسلم العدالة وبقاءُ إسلامه، وعدالته حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، فلا يتهم بالتكفير بمجرد الظن والهوي، فلا يتكلم أحد فى مسألة التكفير إلا بعلم وبرهان من الله، ولا يمكن إخراج إنسان من الإسلام بمجرد الفهم واستحسان العقل، فإن إخراج رجل من الإسلام يفتح الباب لاستباحة دماء المصلين، والخطأ فى ترك ألف كافر أهون من الخطأ فى سفك دم مسلم واحد.
بينما أشار د.حسن الصغير مدير أكاديمية الأزهر أن التكفير بلاء شائع نتيجة الضيف الثقيل الذى اقتحم علينا حياتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فوجدنا ملايين المتصدرين للفتوى ممن يبيحون ويحرمون ويفصلون فى الدماء والأموال والأعراض رغم أنهم لا يعرفون آداب الوضوء، متجاهلين أنهم يفترون على الله حينما ينقلون حكما شرعيا ينسبونه إلى كتاب الله تعالى أو سنة رسوله، مما يمثل رخصة لبعض الجهال فى استباحة دماء الآمنين، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك، ولا يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً، ولأن حرمة الدماء عند الله واحدة دون نظر إلى عقيدة أو مذهب ورد عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أنه قال: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً. . فيما أشار د.هانى عودة المشرف على الجامع الأزهر إلى أن النبى «صلى الله عليه وسلم» حذرنا من فتنة التكفير لما تتركه من أثر شديد فى تفريق الأمة وتمزيق قوتها، وما تسببه من قتل للعباد ودمار للبلاد، فقال عليه الصلاة والسلام: «وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ»، وقد حكم الإسلام بعصمة دم المسلم وماله وعرضه، وجعل من نطق بالشهادتين والتزم بأحكام الإسلام مسلماً، مشيرا إلى أَن أمُور النَّاس مَحمُولَة على الظَّاهر دون بَاطِنها، وحذّر العلماء من المسارعة فى التكفير والتكفير المضادّ، وبينوا أنّ التجرّؤ على إصدار أحكام الكفر على الناس محرم شرعاً؛ لما فى ذلك من استهانة بالشرع وتجرّؤ على استحلال الدماء وإفساد للبلاد والعباد، فإنّ الحكم الصحيح لا يكون إلا بالتأكّد من المسألة والتدقيق فيها علمياً وشرعياً بالأدلة والإثباتات.