14ألف علامة مقلدة.. أغلبها فى الأدوية وقطع غيار السيارات والملابس والأدوات المنزلية
أحال المستشار الدكتور حنفى جبالى رئيس مجلس النواب، مشروع قانون مُقدماً من النائب محمد مصطفى السلاب، وآخرين «أكثر من عُشر عدد أعضاء المجلس»، بتعديل بعض أحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية الصادر بالقانون رقم 82 لسنة 2002 للجنة مشتركة من لجنتى الشئون الدستورية والتشريعية، الشئون الاقتصادية، وتضمن مشروع القانون بمذكرته الإيضاحية، أن ظاهرة تقليد العلامات التجارية، تمثل خطرًا كبيرًا، على الاقتصاد المصرى والمجتمع بشكل عام لما لها من آثار سلبية على المنتجات الوطنية والاستثمارات الأجنبية، وكذلك الصحة العامة للمواطنين.
النائب محمد مصطفى السلاب الذى تقدم بمشروع القانون حيث أكد فى تصريحاته لـ «الجمهورية» أن «تقليد العلامات التجارية» أصبح ظاهرة فعلية بعدما أثبتت الإحصائيات وجود 14 ألف علامة تجارية مقلدة، مما يستلزم تعديلاً لأحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية وتغليظ العقوبات لمواجهة خطر هذه الظاهرة.. واتفق الجميع على أن تلك الممارسات تؤدى إلى الإضرار بالسوق المصرى وتهدد الأمن الاقتصادى نتيجة ظهور اقتصاد مواز يؤثر فى الاقتصاد الرسمى.
أوضح السلاب أن تقليد العلامات التجارية يعنى اتخاذ علامة تشبه فى مجموعها العلامة الأصلية، مما قد يؤدى إلى تضليل الجمهور بشراء سلعة مزورة على أنها منتج أصلى، بما يتسبب فى إلحاق الضرر بصاحب امتياز العلامة التجارية الأصلية، وتزوير العلامات التجارية أشد جريمة من تقليدها، لأن التزوير يتضمن وضع العلامة ذاتها فى الشكل والغلاف والمحتوى مع إخلال شامل بالمضمون، وهذا يؤدى إلى كوارث مادية على الشركة حيث تفقد نسبة كبيرة من مبيعاتها نتيجة فقدان الثقة لدى المستهلكين وهذا يؤدى بدوره إلى خسائر مالية بالغة تنعكس آثارها سلباً على الاقتصاد القومى نتيجة عدم قدرة هذه الكيانات الاقتصادية على الاستمرار مما يضطرها فى نهاية المطاف إلى الإغلاق أو التصفية ومعها يتم تسريح مئات من العمال وتفقد الدولة مورداً مهماً للضرائب التى تسهم فى تنمية الميزانية العامة التى تعود بالنفع على المشروعات التنموية.
يستكمل السلاب أننا لا نبالغ حين نصف الموضوع بأنه ظاهرة حيث تشير الإحصائيات وجود 14 ألف علامة مقلدة تغزو الأسواق المصرية بينما تشير البيانات الصادرة عن وزارة التموين والتجارة الداخلية وجود 500 ألف علامة تجارية مسجلة فى مصر، فيما تشير إحصائيات أخرى إلى وجود نحو 5 ملايين منشأة اقتصادية فى مصر الأمر الذى يدل على وجود عدد كبير من المنشآت التجارية والاقتصادية دون علامة تجارية مسجلة رسميًا وهو ما يقع تحت مسمى «بير السلم» فى الوقت الذى يقدر فيه خبراء الاقتصاد حجم خسائر تقليد العلامات التجارية بنحو 360 مليون إلى نصف مليار جنيه.
السلاب يؤكد أن المادة 63 مكرر أوجبت على كل من يمارس أى نشاط سواء تجاريا أو صناعيا أو زراعيا أو تكنولوجيا أن يكون له علامة تجارية مميزة مما يخلق حالة من التنافس بين المؤسسات بعضها البعض خاصة أن العلامة التجارية تمثل الهوية الرسمية لأى منتج، وأيضا المادة 65 مكرر تنص على ضرورة التحقق من كون العلامة المطلوب تسجيلها غير مسجلة أو مملوكة لحساب شركة أو مؤسسة أخرى تمارس ذات النشاط سواء داخليًا أو خارجياً، خاصة أن هذا السياق غير مفعل بالصورة الأفضل فى السوق المصرى.
دعا السلاب إلى ضرورة تعديل المادتين 113 و114 لفقدانهما صفة الردع فى نفوس المتجاوزين فالمادة 113 بالقانون الحالى تعاقب بالحبس مدة شهرين وغرامة 5 آلاف جنيه لكل من زوَّر علامة تم تسجيلها أو قَلدها بطريقة تدعو لتضليل الجمهور، ويطالب المشروع القديم بتعديلها بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 500 ألف، أما المادة 114 فهى تعاقب فى القانون الحالى بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تتجاوز عشرة آلاف أو بإحداهما ونطالب بتعديلها بالحبس وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 300 ألف جنيه، كما أن تغليظ عقوبة الغش من شأنه المساعدة فى جذب الاستثمارات الأجنبية فى ظل شعور المستثمرين بحماية علاماتهم التجارية، ووجود نوع من المنافسة العادلة بالسوق.
أشار السلاب إلى أن مشروع القانون المقترح يحقق الهدف فى مواجهة تلك الظاهرة ويتماشى مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر بشأن حماية العلامات التجارية من الغش والتقليد مثل اتفاقية مدريد للتسجيل الدولى للعلامات التجارية عام 1952 وبروتوكول مدريد عام 2009 والذى يهدف حماية العلامات وحق الملكية الفكرية وأيضا معاهدة سنغافورة عام 2006.
المهندس حسين رشدان عضو شعبة الملابس الجاهزة بالاتحاد العام للغرف التجارية يضيف إلى المخاطر، أنه مع زيادة الأسعار العالمية يلجأ بعض الأشخاص الذين نطلق عليهم صناع بير السلم إلى تقليد العلامات التجارية لتحقيق مكاسب مالية كبيرة، ولكن الخطأ ليس عليهم وحدهم بل تتحمل الجهات الرقابية الجزء الأكبر لأنه عندما تكون هناك رقابة فعلية مستمرة وتشريعات منصوص عليها فى القانون تحمى المنتج الأصلى والمستهلك أو كانت هناك عقوبات مغلظة مثلما طالب بعض النواب فإن ذلك سوف يؤدى إلى تخفيف الآثار الناجمة عن كل وسائل الغش بالأسواق وليس فقط تقليد العلامات التجارية، فعلى سبيل المثال نعانى انتشار قطع غيار السيارات «المغشوشة» بالأسواق بشكل كبير مما يتسبب فى انتشار حوادث السيارات ويقتل الكثيرين جراء هذه الحوادث.
رشدان يطالب الجهات الرقابية بمزيد من التفاعل فى ضبط البضائع ذات العلامات التجارية المزورة واتخاذ الإجراءات الرادعة حيال المخالفين، مشيرًا أن هناك فارقاً كبيراً جدًا بين تقليد العلامة التجارية باستخدام مواد خام رديئة للغاية ورخيصة الثمن تضر بسمعة المنتج الأصلى وتحقق خسائر فادحة لأصحاب العلامات التجارية وبين «الفرنشايز» الذى يكون بمثابة نسخة من المنتج بأسعار أقل بعض الشىء تحت سمع وبصر الشركة الأم بمواصفات معينة يجب الالتزام بها ويتم التفتيش عليها كل 3 شهور، موضحًا أنه يجب على الجهات الرقابية التحقق من بلد المنشأ للمنتج صاحب العلامة التجارية وكيفية الصنع والمواد الخام المستخدمة من حيث الكمية والجودة حتى نواجه هذه الظاهرة التى تسبب العديد من الآثار السلبية على الاقتصاد المصرى والمنتجات الوطنية والاستثمارات الأجنبية حيث تعد اقتصادًا موازيًا بعيدًا عن الاقتصاد الرسمى.
المهندس عمرو عصفور نائب رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية سابقًا يوضح أن نجاح المُنْتَجُ يرجع إلى جودته وسعره والمجهود الذى يُبذل فى إنتاجه، ويستطيع العميل أن يعرف المُنْتَجُ فى كل الأسواق من خلال العلامة التجارية الخاصة به، وبعد نجاح المُنْتج وانتشاره يقوم الكثيرون بتقليد العلامة التجارية مما يضر المستهلك ويضر سمعة المُنْتج الأصلى وبالتالى يضر بالاستثمار بصورة كاملة، لذلك أصبحنا فى حاجة كبيرة لتعديل قانونى يسهم فى تغليظ العقوبة على تقليد العلامة التجارية، لأن ذلك مجهود أشخاص يضيع هباءً فى الهواء وتقليد العلامة التجارية يستغل السمعة الجيدة التى حققها المنتج الأصلى وزيادة الطلب عليه فى السوق ويقوم بتقليد منتجات أقل جودة لتحقيق مكاسب أكبر، مؤكدًا أن المكاسب الكبيرة الناتجة من تقليد علامة تجارية عالمية لا تتناسب على الإطلاق مع العقوبة المالية المفروضة عليها مثلما كان يحدث فى قانون الاحتكار سابقًا حيث كان المحتكرون يحققون مكاسب تتعدى نسبة 400 ٪ ومع ذلك نجد ضآلة فى العقوبات المالية المفروضة عليهم.
يضيف أن التقليد بنفس الحروف وتصميم المنتج قد تصل عقوبته إلى الحبس لذلك يلجأ المقلد إلى حيل كثيرة مثل تغيير حرف واحد من اسم المنتج الأصلى، أو حجم الخَط، بحيث يشعر المستهلك أنه المنتح الأصلى ولكن لا يقع تحت طائلة القانون ومع رداءة المنتج يعزف المستهلك عن شراء المنتج الأصلى ومن المؤكد أن ذلك الإجراء يضر الشركات صاحبة العلامة الأصلية بشكل كبير خاصة لو كان منتجًا عالميًا ويضر أيضًا باقتصاد الدولة والصحة العامة للمواطنين، ولكن مع نشاط جهود الجهات الرقابية يصل الرقابيون إلى مصادر العلامات المزيفة ويحذرون المواطنين من استخدامها وينوهون عن الفروق فى الشكل والتغليف بينها وبين العلامات الأصلية حتى يستطيع المستهلك التفرقة ويطالب عصفور بتدخل جميع الجهات الرقابية وحماية المستهلك واستخدام الآليات لإحكام السوق.
فيما يشير د.مصطفى بدرة استاذ الاقتصاد والتمويل والاستثمار إلى أن العلامات التجارية المزورة تقع تحت مسمى «الاقتصاد الموازى» وتسبب إهداراً كثيراً من موارد الدولة سواء من العملات الأجنبية أو حتى من العملات المحلية، مبينا أن بعض المستثمرين غير الملتزمين يقومون بإنتاج أو استيراد بضائع مقلدة للعلامات التجارية فى قطاعات الملابس والأحذية وقطع غيار السيارات والأدوات الكهربائية وبعض السلع الاستهلاكية الأخرى مما يشوه سمعة المنتج الأصلى ويسبب ضررًا كبيرًا لصاحب العلامة التجارية العالمية أو المحلية وخسائر مادية لا يستطيع تحملها مما يؤدى إلى خروجه من السوق لعدم القدرة على السيطرة على المُنْتَج المُقَّلد، وعلى مستوى الدولة يؤدى إلى إهدار العملة سواء المحلية أو الأجنبية إضافة إلى عدم جودة المنتجات وعدم مطابقتها للمعايير وإحجام المستثمرين عن التواجد بالسوق المصرى ولذلك يجب معالجة هذا الاقتصاد الموازى من خلال إصدار علامات مصرية ذات جودة معقولة وبأسعار ملائمة لا تضر بالمجتمع أو اقتصاد الدولة وتحقق التنافس الذى يصب فى صالح المستهلك إضافة إلى حماية المستثمرين وحماية الملكية الفكرية والصناعية باستصدار تشريعات رادعة مشيرًا إلى أن توقيع الغرامات المالية وسيلة غير مجدية لمحاربة تقليد العلامات التجارية، مطالبا بتضافر جهود وزارتى التجارة والصناعة والاستثمار واتحاد الغرف التجارية والجهات الرقابية المختلفة، خاصة أن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أعلن عن إحصائية للأيدى العاملة بمصر تصل إلى 30 مليون مواطن 35 ٪ منهم فقط ضمن الاقتصاد الرسمى يسددون الضرائب والتأمينات الاجتماعية و65 ٪ منهم اقتصاد مواز يحتاج إلى مميزات وإعفاءات تشجع العاملين به للانضمام للاقتصاد الرسمى.
دكتور عادل عبدالمقصود رئيس شعبة أصحاب الصيدليات بالغرفة التجارية بالقاهرة سابقًا يتفق مع المطالبة بتغليظ العقوبة لكنه يرى أن هناك قوانين كثيرة فى مصر لا تنفذ حيث توجد بالفعل عقوبة مالية بمصادرة الأصناف المضبوطة وعقوبة جسدية بإحالة المتهم إلى المحكمة والعقوبة تصل للحبس طبقًا لرأى المحكمة، ولكن المشكلة تكمن فى عرقلة تنفيذ القوانين وهى أهم نقطة يجب أن تدرسها الدولة من خلال كيفية القضاء على بيروقراطية تنفيذ القوانين وطول الإجراءات والتغلب على ثغرات القانون بإحكام إجراءات الضبط، مؤكدًا أن صاحب العلامة التجارية الأصلية إذا اكتشف قيام غيره بتقليد العلامة يتوجه إلى مباحث وزارة التموين لتقديم بلاغ بالواقعة ويتم الضبط والإحالة للنيابة ومصادرة البضائع المقلدة وإصدار الأحكام ولكن إجراءات التنفيذ عقيمة يجب تذليلها أسوة بما يتم الآن بقطاعات الدولة المختلفة للقضاء على البيروقراطية، مقترحًا اللجوء إلى الذكاء الاصطناعى فى الجهاز الإدارى للدولة والبعد عن التدخل البشرى لمواجهة ضعف النفوس أمام سيطرة المال.
مشيراً إلى أن الآثار السلبية الناتجة عن استخدام العلامات المقلدة قد تصل إلى الحوادث والوفاة كما فى حالة قطع غيار السيارات ومواد البناء أما فى مجال الصيدلة فالوضع كارثى، مشددا أن الدول الأخرى تعاقب المزورين للأدوية بعقوبات تصل إلى الإعدام مثل الصين، ومبررها فى ذلك أن تلك العملية تهدد حياة المواطنين وتؤثر على الصحة العامة مثل تقليد الأدوية غالية الثمن والتى تعالج السرطان.
د.سعاد الديب رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك ونائب رئيس الاتحاد العربى للاستهلاك أعلنت أن الغش التجارى نوع من التغيير فى السلعة سواء فى مكوناتها أو استخدامها بإضافة أشياء غير حقيقية أو إزالة أجزاء منها، مضيفة أن عمليات الغش تزيد بكثرة فى الأزمات، وأن هناك فرقاً كبيراً بين التقليد والغش فالتقليد قد لا يجرمه القانون أما الغش فيجرمه القانون لأنه قد يضر بصحة وسلامة المستهلك، فمثلا الدواء أو الأسلاك الكهربائية أو فرامل السيارات قد تؤدى إلى حوادث وفاة لذا نجد عقوبتها مغلظة، لكن ما يتم ضبطه لا يزيد على 10 ٪.
تضيف الديب أن وزارة التموين لديها إدارة خاصة لضبط ومتابعة معدومى الضمير ولكننا نطالب بدخول مصانع «بير السلم» ضمن المنظومة لمنع الغش التجارى مع قيام الدولة بمنح الفرصة والسماح بتحويلهم من المسار الخاطئ إلى المسار الصحيح وبالتالى القضاء على ظاهرة تقليد العلامات التجارية.