يُنظر إلى الولايات المتحدة والصين فى كثير من الأحيان على أنهما بلدان متنافسان لهما وجهات نظر مختلفة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية العالمية. ومع ذلك، يكشف الفحص الدقيق أن العديد من خلافاتهما تنبع من أوجه التشابه المتزايدة بينهما، حيث تطبق الولايات المتحدة إستراتيجيات صناعية لتعزيز أهدافها الوطنية الخاصة، بينما تحافظ الصين على نهجها الاقتصادى الذى تقوده الدولة.
لعبت الصين لعبة العولمة بشروطها الخاصة، حيث قامت بحماية وتعزيز صناعاتها بينما استغلت الأسواق الخارجية. وقد دعمت الحكومة الصينية قطاعات رئيسية لأسباب تجارية وأخرى تتعلق بالأمن القومي، مثل الاتصالات وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الحد من دخول الشركات الأجنبية إلى سوقها بينما استفادت من انفتاح الدول الأخرى واحتياجاتها المتزايدة لسلعها. ولقد أدت هذه الإستراتيجية إلى نمو اقتصادى وتقدم تكنولوجي، مما أثار أيضًا الاستياء وردود الفعل السلبية من الشركاء التجاريين.
على الرغم من أن الولايات المتحدة تريد أن يُنظر إليها كمؤيدة ومنفذة للوائح الاقتصادية العالمية والتجارة الحرة والأسواق المفتوحة والمنافسة العادلة، إلا أنها فى الآونة الأخيرة اتخذت تدابير مماثلة لتلك التى تتخذها الصين من خلال فرض التعرفات وكبح الاستثمارات الأجنبية ودعم الصناعات المحلية، ما أثار المخاوف بشأن عدم عدالة الممارسات التجارية الصينية وسرقة الملكية الفكرية والتهديدات للأمن القومي، وهو ما يؤدى بوضوح للشعور من قبل الولايات المتحدة بعدم الأمان والرغبة فى الحفاظ على هيمنتها وسط نفوذ الصين المتزايد. بل أجرؤ على القول إن الولايات المتحدة لا تعرف كيف تتعامل مع النمو الهائل لهذا العملاق الذى يهدد نفوذها الاقتصادي، وهو الآن جاهز لتولى الصدارة على المسرح العالمى من خلال كونه منافسًا على قدم المساواة فى كل مجال من مجالات النشاط الاقتصادى تقريباً.
وقد أثر الصراع التجارى بين هاتين الدولتين سلباً على اقتصاديهما وعطل سلاسل التوريد فى جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى التجزئة وعدم اليقين الاقتصادي. كما أدى التنافس التكنولوجى بين البلدين إلى التجزئة وعدم اليقين فيما يتعلق بالابتكار، حيث أدى هذا التنافس إلى زيادة احتمال نشوب نزاعات وعدم استقرار على نطاق عالمي.
بصفتى عضوًا استشارياً فى لجنة منظمة التجارة العالمية (WTO) المعنية بتحديد مستقبل التجارة ورئيسًا للجنة إجراءات الأعمال لدعم مجتمع المعلومات، أرى أن هناك حاجة ملحة إلى لوائح جديدة للإشراف على الاقتصاد العالمى حيث تسعى كل من الولايات المتحدة والصين إلى تحقيق أجندتها الخاصة. لذلك يجب أن تسمح هذه اللوائح بالمرونة والتنوع فى السياسات مع تثبيط الإستراتيجيات التنافسية الضارة، وضمان تكافؤ الفرص لجميع أصحاب المصلحة مع الحفاظ على سلاسل التوريد السليمة التى يعتمد عليها العالم.