ليس شرطًا أن تكون موهوبًا كى تحقق النجاح والنجومية وتتربع على عرش المجال الذى تحبه، هناك شروط أخرى لابد منها فهناك الكثير من المواهب الفذة ضاعت وتاهت وانطفأ نجمها سريعًا رغم قوة البدايات لكن سرعان ما تبخرت الأحلام وخابت التوقعات، عن إدارة الموهبة فهى الأهم وإحدى المقومات الرئيسية لتحقيق النجاح والتألق، فالحفاظ على الموهبة وتطويرها ربما تكون أكثر أهمية من أن تكون موهوبًا حتى لا تنجرف إلى العشوائية والارتجالية والتفريط والفهلوة أو تضعف أمام بريق النجومية فى مهداها، فالعقلية التى تدار بها الموهبة هى الضمانة الحقيقية لتوهج هذه الموهبة وتحويلها إلى طاقة فياضة من الابداع والتألق وهى أيضا قد تكون سببًا فى ضياع الموهبة، وموتها السريع فى مقتبل العمر، لتكون «بنت موت».
الحقيقة أن الكاتبة الصحفية الكبيرة نوال مصطفى كتبت مقالاً مهمًا فى جريدة الأخبار تتحدث فيه عن بعد ربما لا يأخذه الكثيرون فى الاعتبار والحسبان، وهو العقلية والقدرة على إدارة الموهبة، وأكدت أن أساس النجاح يكمن فى العقلية الفريدة حتى تتوهج الموهبة، وتتطور وضربت مثلاً رائعًا ونموذجًا فريدًا للموهبة التى أديرت بعقلية ممتازة فحققت نجاحًا واستحوذت على قلوب الناس، وبات واحدًا من أهم سفراء الدولة المصرية فى بريطانيا وأوروبا، والعالم، فمن لا يعرف النجم العالمى محمد صلاح فهو نجم وهداف ليفربول وأفضل لاعب فى الدورى الإنجليزى هذا العام والذى ساهم بـ29 هدفًا أحرزها فى مرمى المنافسين وصنع 18 هدفًا كل هذه الأرقام أدت إلى تتويج قلعة الأنفيلد بالدورى الإنجليزى ويحصل على الحذاء الذهبى على مستوى الدورى الإنجليزى وينافس على الكرة الذهبية فى أوروبا.
الحقيقة أن مقال الكاتبة الصحفية نوال مصطفى لابد أن ينال اهتمام المسئولين عن الرياضة المصرية، والجهات المسئولة عن اكتشاف ورعاية المواهب المصرية، فلا يجب أن تكون عملية ثقل الموهبة قاصرة على الكرة أو حتى فى مجال الفن، ولكن لابد من تعليم أبناءنا الموهوبين وأن نغرس فيهم العقلية السليمة، وأسس التفكير الصحيحة لإدارة الموهبة، ولن أتعرض لأسماء بعينها، كانت فى بداياتها تمتلك موهبة متفجرة، وتألقًا إلا أنها انتهت سريعًا، ورأينا تألق لاعبين مصريين فى الدورى الإنجليزى فى بداية الانضمام وأحرزوا أهدافًا وتوقع لهم الكثير من خبراء الكرة فى الدورى الإنجليزى بأن سيكون لهم شأن كبير على طريق العالمية، ولكن هؤلاء افتقدوا لعنصر مهم وفاعل ومؤثر وهو الالتزام والاجتهاد والاصرار والإرادة على مواصلة النجاح والتألق والاهتمام بكل تفاصيل تطوير الموهبة، بما يعنى وجود العقلية المحترفة، لذلك لفت نظرى فى مقال الزميلة نوال مصطفى تأكيدها على أن الموهبة الحقيقية ليست فى القدم فقط ولكن فى العقلية وهو ما ينطبق على النجم المصرى العالمى محمد صلاح.
لا يخفى على أحد أن النجم العالمى محمد صلاح ابن قرية نجريج من أسرة بسيطة مكافحة وهو أمر شديد الاحترام والتقدير والشرف والنجم الخلوق دائمًا يذكر ويفاخر بذلك فى روايته لمشواره منذ الطفولة فى نادى المقاولون العرب وأنه كان يحصل من والده على 20 جينهًا يسافر بها ويأكل منها ورغم ذلك عندما أمتلك الملايين زاده الله من فضله لم يضعف، ولم يكتف بنجومية البدايات المحدودة بل واصل الكفاح والعمل على نفسه وموهبته، وحافظ على صحته واستعداده البدنى، وطور نفسه ولم يلتفت إلى ما حققه من إنجازات، بل يصر على المزيد من النجاحات والبطولات والتألق حتى وصل إلى سن الـ32 إلى أفضل لاعب وهداف الدورى الإنجليزى يتفرد بالعديد من الأرقام القياسية وهو الآن أحد أفضل لاعبى العالم، ومثال ونموذج لتشريف مصر، وأن يكون سفيرًا لها فى إنجلترا وأوروبا والعالم، وهو شديد الارتباط بوطنه وعاشق له، وغرس ذلك فى بنتيه رغم أنهما تربيتا فى إنجلترا، ووصل الأمر إلى أن مدينة ليفربول تفكر فى إقامة تمثال لمحمد صلاح.
ولأن هناك عقلية عبقرية لمو صلاح وذكاء فطرى، وقدرة على إدارة موهبته لتخليد اسمه فقد كان من الممكن أن يوافق على عروض أخرى تزيد عن عرض ليفربول بالكثير لكنه كان له رأى أخرى وسوف يجنى ربما أكثر من أموال التعاقدات الأخرى، لكن أراد أن يكون أحد أساطير ليفربول والدورى الإنجليزى والأوروبى ويتقدم بثبات، وأن يكون وفيًا لجماهير قلعة الانفيلد وبالتالى معشوقهم بالإضافة إلى حالة الارتياح والاستقرار الأسرى فى ليفربول ولديه أيضا مشروعات بيزنس أخرى فى المدينة، لكن الأهم أنه حافظ على أسطوريته ومكانته فى قلوب الجماهير الإنجليزية، والمصرية أيضا التى تتابع بانتظام مباريات الدورى الإنجليزى من أجل محمد صلاح، بل وتشجع ليفربول من أجله، هذا هو النجاح والنجومية والموهبة الحقيقية، بفضل أساليب التفكير والعقلية.
أيضا أتوقف عند تصريحات للمهندس ماجد سامى رئيس نادى وادى دجلة وأنا لا أعرفه شخصيًا حيث خرج فى تصريحات تليفزيونية يقول، إن أحمد سيد «زيزو» لاعب الزمالك السابق فرط فى أسطوريته عندما قرر مغادرة الزمالك الذى صنع نجوميته رغم انه الانضمام للنادى الأهلى، هو إنجاز كبير لكن «زيزو» حسب حديث «سامى» فرط فى أسطوريته ومجده فى الزمالك وجماهير الكرة عمومًا، حتى كتب تاريخًا هو سبب ما فيه الآن من نجومية وهذا الحديث يعيدنا أيضا إلى قصة «العقلية» فى إدارة الموهبة، «زيزو» كان يمكن أن يحصل على أموال تفوق عرض الأهلى إذا قرر الاحتراف الخارجى ليظل أيضا أسطورة الزمالك وربما أيضا حصل على نفس الأموال إذا قرر الاستمرار فى الزمالك لكنه تخلى عن أمر مهم أنه كان رمزًا أو أسطورة فى قلعة الزمالك وهناك من يقول لن يحقق فى الأهلى ما حققه فى الزمالك ولن يكون «أيقونة» الأهلى كما كان «أيقونة» الزمالك وجماهيره.
الحقيقة أن هذا الفكر سواء فى العقلية أو إدارة الموهبة لابد أن يعرف طريقه إلى كليات التربية الرياضية وأيضا فى الاكاديميات الرياضية لاكتشاف ورعاية المواهب، وأيضا فى مدارس الكرة وفرق الناشئين فى الأندية حتى نحافظ على مواهبنا ويكون لدينا العشرات من محمد صلاح وعمر مرموش أيضا فموهبة هؤلاء ليست فى أقدامهم فحسب ولكن فى عقولهم لذلك اقترح أن يكون محمد صلاح أحد أدوات القوى الناعمة المصرية وأن يحظى هذا النجم العالمى بتكريم مرموق من وطنه، ويمنح أحد الأوسمة وإطلاق اسمه على أكبر الملاعب أو الصروح العملاقة فى وطنه لأنه لاعب فذ ووطنى وعاشق لبلاده وأن يكون هذا التكريم له صفة عالمية، وفى منطقة الهرم أو العاصمة الإدارية بالمدينة الاوليمبية أو على هامش احتفالات مصر بافتتاح المتحف الكبير.