إنه عشق من نوع مختلف.. نبحث عنه بكامل إرادتنا.. وننفق عليه دون تردد.. انه العشق الذى يتباهى به ويتفاخر كل من يصاب به.. اطلق عليه علماء علم الاجتماع وعلم النفس.. داء المثقفين.. انه نشوة امتلاك الكتب.. التى تقود صاحبها إلى إدمان القراءة.. كان الأديب الكبير عباس العقاد يتباهى بأنه قرأ اكثر من عشرة آلاف كتاب.. وهى كفيلة بأن تضعه فى مصاف حملة الدكتوراه.. بالرغم من أنه حاصل على الشهادة الابتدائية فقط.. وان الكاتب الكبير أنيس منصور.. كان يكرر فى كل مناسبة.. انه قرأ جميع الكتب التى صدرت فى الفلسفة وعلم النفس.. وهو تخصصه.. فقد كان أستاذاً جامعياً فى كلية الآداب للفلسفة.. ولكنه هجرها للعمل بالصحافة.. ومن هنا اخذ يقرأ كل كتاب يصدر فى مصر بمجرد ظهوره.. بالإضافة إلى كتب الأدب العالمى وأيضاً العربي.. وكان يقول إنه لابد ان يقرأ.. حتى يجيد الكتابة.. وقال إن سعادته يجدها فى قراءة كتاب.. ومن حسن الحظ ان جاء مكتبى بجريدة الجمهورية بالدور التاسع بالمبنى الجديد بشارع رمسيس بجوار مكتب الأستاذ محسن محمد رئيس تحرير ومجلس إدارة الجمهورية.. كنت أنتهز فرصة حضوره المبكر لمكتبه يومياً.. كى التقى به.. حيث يمتد الحوار.. سألته.. كم كتاباً قرأت؟ أجاب: كثير قوي.. فى كل سفر يأتي.. كان شغلى الشاغل الكتاب.. والجرائد التى تصدر فى كل بلد أذهب إليه.. كنت اعود من كل سفرية.. احمل فى يدى «شوالا» من الكتب.. ولا ارتاح.. إلا بعد ان اقرأها.. وقد ساعده على ذلك اجادته للغة الإنجليزية.. فهو خريج قسم اللغة الإنجليزية بآداب الإسكندرية.. قال محسن محمد ان المشكلة الازلية مع زوجته.. هى زحام الكتب فى المنزل.. هنا قلت له.. يشرفنى الحصول على الكتب الزيادة اللى عندك.. وابتسم محسن محمد.. ولم يعلق.. فوجئت بعد ذلك بالزميلة بثينة عبد المعين مديرة مكتبه.. تخبرنى بأن المرحوم الأستاذ محسن محمد.. أوصاها بأن تكون مكتبته مناصفة بينى وبين مكتبة جريدتنا الجمهورية.. وأعترف بأنها أعظم هدية تلقيتها.. وفوجئت بأن أغلب الكتب سياسية بالرغم من ان الأستاذ محسن محمد.. نادراً ما كتب فى السياسة.. فى عموده اليومى بالجمهورية «من القلب».. وقد قرأت عن حيرة الأديب والمفكر والشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازي.. التى عبر عنها فى كتابه.. لا لبونابرت ونعم لفولتير.. وهى الحيرة التى تمثلت فى بحثه عن معلومات عن الأديب والمفكر الفرنسى الكبير فولتير.. التى قامت على مبادئه الثورة الفرنسية فى 14 يوليو 1789.. ولمن لا يعرف فولتير.. فهو أعظم ادباء فرنسا على مر التاريخ.. رمز من رموزها.. فى المطالبة بالحرية والعدل والإخاء.. وهو مناضل قاوم الظلم والاضطهاد فى فرنسا.. ودخل سجن الباستيل عقابا وتأديبا على جرأته فى المطالبة بهذه المبادئ.. والباستيل هو معقل العبودية.. فى ذلك الوقت.. لذلك هدمه الثوار فى ثورة فرنسا 1789.. ولابد ان نعترف بأن القراءة.. هى أعظم دعائم الوعي.. والوعى يعنى الثقافة.. التى تستوعب كل حياتنا الاجتماعية.. كما أن الثقافة تعكس أنماط السلوك.. وأيضاً مختلف أنواع التعبير.. فالثقافة تؤثر بشكل كبير على إدراكنا للواقع والوعى به.. من هنا يقفز السؤال الذى يدق الرءوس بعنف.. لماذا هجرنا القراءة.. وابتعدنا عن عشق الكتاب.. صاحب الفضل فى تعميق وعى الشعوب.. أمامنا العديد من شعوب العالم التى تعشق القراءة.. ففى كل مرة.. اسافر فيها إلى أوروبا.. كان يلفت انتباهي.. ان أشاهد غالبية ركاب المترو فى ايدى كل منهم كتاب يقرؤه.. أو مجلة.. أو جريدة.. معظمهم مشغول بالقراءة.. وهذا من أهم أسباب تعميق الوعى لديهم.. أتوقف هنا.. لأقول لقد صدر لنا الغرب وأمريكا وسائل لهو وتسلية وألعاباً إلكترونية وفيديوهات جذابة فارغة من المعنى والقيمة.. ليشغلونا فيما لا يفيدنا.. ليختطفونا بعيداً عن القراءة.. لا اريد ان اتحدث عن المضمون والمحتوى الهابط الذى يبثونه لنا.. لكن يبقى السؤال.. كيف نعود للقراءة.. البداية من المدرسة بعودة حصص القراءة الخارجية وجماعة المكتبة.. وإعادة المكتبات بالمدارس الاعدادية.. وتخفيض أسعار الكتاب.. ليصبح فى متناول الجميع.. وهذه مسئولية المجتمع ككل.. ولكن بقى ان أقول.. إن قراءة القرآن الكريم.. تشفى الصدور فهو المتعبد بتلاوته.. تصديقا لقول الحق: «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة».. نعم القراءة عشق.. لكنها يجب ألا تكون عشقاً مهجوراً.