العالم يعيش أسوأ فتراته، تحول إلى ما يشبه الغابة، يأكل فيه القوى الضعيف، لا يعرف سوى لغة القوة والسلاح، والقتل، لم تعد هناك قوانين دولية، أو قوانين دولية إنسانية أو مبادئ وقيم، لم تعد هناك مؤسسات ومنظمات أممية ودولية قادرة على إيقاف الحروب والصراعات، والإبادة الجماعية، والتجويع والحصار والعقاب الجماعي، واستباحة الحقوق المشروعة للشعوب ذات السيادة، يقف المجتمع الدولى مسلوب الإرادة غير قادر على فعل أى شيء.. حتى بات العالم بالفعل غابة لا تحكمها إلا قوانين القوة، والمصالح، وهنا تزداد آلام وأوجاع ومعاناة البشر، فى ظل هذه الصراعات والانفاق بلا حدود على الحروب، والخراب والدمار بلا رحمة، ولو كانت هناك رحمة أو إنسانية أو عقل ومنطق، لفكر العالم فى الانفاق السخى على رفاهية الشعوب ورفع المعاناة عنها.
الحقيقة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى عبر بوضوح عن الحالة التى يمر بها العالم خلال كلمته فى المؤتمر الصحفى المشترك مع العاهل البحرينى فى ظل ما يدور فى المنطقة، وهنا أعنى المنطقة العربية من تأجيج للصراعات وإشعال للحرائق، وتصعيد عسكرى قد يتطور ليأكل الأخضر واليابس.
الرئيس السيسى فى كلمته عبر وشخص بدقة، الخطر الداهم الذى يواجه المنطقة والعالم فى ظل الاستخدام المفرط للقوة العسكرية فى قطاع غزة وترويع المدنيين وتجويعهم وعقابهم جماعياً لإجبارهم على النزوح والتهجير القسرى بدون ذنب أو جريرة سوى التشبث والتمسك بالعيش فى أراضيهم، ووطنهم.
العجيب والغريب أن العالم على مدار أكثر من 6 أشهر يشاهد، جرائم يندى لها جبين الإنسانية، مجازر وقتلاً، للأطفال والنساء بأرقام مهولة، وحصاراً وتجويعاً، وعقاباً جماعياً، ومخططاً لاغتصاب وإخلاء الأراضى الفلسطينية من خلال إحكام الحصار، والتجويع والتدمير والتخريب والقصف المتواصل والقضاء الكامل على كافة مقومات الحياة فى غزة من أجل إجبار سكانها على النزوح والتهجير القسرى تحت سمع وبصر ومرأى العالم بكل مؤسساته الأممية والدولية والحقوقية ودون أدنى اعتبار لرفض الشعوب لمجازر إسرائيل فى غزة، وحتى صرخات الأطفال والنساء بل أشلاءهم، وانين الجوع، لم ترق له قلوب القوى الكبرى فى العالم التى تستطيع وبدون أدنى شك إيقاف وردع إسرائيل وإجبارها على وقف حرب الإبادة لكن الغريب أن الكيان يحظى بدعم مطلق بالمال والسلاح ليواصل القتل والاستخدام المفرط للقوة العسكرية ضد المدنيين والشعب الأعزل.
حالة العجز، والاستسلام وربما التواطؤ فى المجتمع الدولى أو النظام العالمى تنذر بكوارث قادمة لا محالة وربما اندلاع حروب أكثر اتساعاً، فيما يشبه حرب عالمية ثالثة، فالمجتمع الدولى أصيب بعجز مزمن، غابت عنه أى قدرة أو إرادة دولية لإنجاز العدالة أو إنفاذ القانون.
لا يخفى على أحد أن مصر على مدار أكثر من 6 أشهر ومازالت تحذر بشكل واضح من خطورة استمرار العدوان والتصعيد الإسرائيلي، الذى من شأنه أن يؤدى إلى اتساع رقعة الصراع وعلى مدار الأيام الماضية بدت فى الأفق مخاوف من نذر حرب شاملة فى ظل التصعيد والتهديد المتبادل بين إيران وإسرائيل عقب استهداف إسرائيل لمقر القنصلية الإيرانية بدمشق السورية، وشن طهران هجوماً بالصواريخ والمسيرات على تل أبيب ومازالت المواجهة مفتوحة، كل الاحتمالات والسيناريوهات فيها واردة لذلك فإن مصر ترى أن استمرار هذا الوضع ينذر بكارثة على المنطقة العربية، ولها انعكاساتها على الأمن القومى العربي، وهو ما يستوجب توحيد الإرادة الدولية للتهدئة والوقف الفورى لإطلاق النار فى غزة.
واستبعاد جميع مهددات الأمن والاستقرار الإقليمي، وأهمية إنفاذ المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بالقدر الكافى وأنه لا بديل عن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ٤ يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية والاعتراف بها فى الأمم المتحدة من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار ولضمان عدم تكرار ما يحدث الآن من تصعيد خطير، ونذر اتساع رقعة الصراع، فمن حق شعوب المنطقة أن تنعم بالأمن والاستقرار وأيضاً تتوقف معاناتها من تداعيات هذا التصعيد على كافة المسارات الأمنية والاقتصادية.
«دعاة الحرب» من الواضح أن لديهم إصراراً على التصعيد وإشعال الحرائق، أو سكب الزيت على النار لذلك من المهم التوقف عن محاولات الهيمنة والنفوذ فى منطقة وإقليم يعانى من التوترات، بل صراعات قد تأخذ العالم إلى غياهب المجهول، وهو ما تحذر منه مصر وتبذل جهوداً مضنية من أجل التهدئة وإيقاف التصعيد، لذلك فإن المساعى الدولية والاتصالات والزيارات التى يقودها الرئيس السيسى مع دول العالم والأشقاء العرب تأتى فى إطار محاولات البحث عن حلول وتسويات سياسية بدلاً من أن يدفع العالم وليس المنطقة ثمناً فادحاً وباهظاً، لن ينجو منه أحد بأى حال من الأحوال.
«الفيتو الأمريكي» الذى اجهض وقف إطلاق النار على مدار 6 أشهر، وأخيراً تصدى الفيتو الأمريكى الداعم الأعمى والمطلق لإسرائيل للاعتراف بالعضوية الكاملة لفلسطين فى الأمم المتحدة، ولعل كل ذلك يفسر طبيعة ما يحدث ومن يقف وراءه ويؤكد أنه لا فائدة من استمرار النظام الدولى القائم فى ظل ازدواجية المعايير والظلم وسياسات الكيل بمكيالين وحالة العجز والفشل التى تأخذ العالم إلى المصير المجهول.
تحيا مصر