أكد د. شوقى علام، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم أن الفتوى فى عالمنا المعاصر بمثابة جسرٍ بين النصوص الدينية والواقع المتطور بسرعة، حيث تسمح بتطبيق التعاليم الإسلامية على المواقف الجديدة والمعقدة التى لم تُعالج بشكل صريح فى النصوص الأساسية.
قال أمام المؤتمر الدولى «الفتوى فى المجتمعات المعاصرة» فى سنغافورة إن الفتوى قادرة على تقديم تفسيرات شرعية لقضايا العالم المتميز بالتقدم التكنولوجى والتحولات الاجتماعية، مثل الاستخدام الأخلاقى للذكاء الاصطناعى والتعقيدات المالية الحديثة وتحديات التقدم الطبي، بما يمثل ضمانة بقاء للتعاليم الإسلامية موصولة بالعالم المتغير وفى الوقت نفسه تكون قابلة للتطبيق.
أوضح أن الفتاوى تلعب دَورًا مهمًّا فى تعزيز مرونة الشريعة وصلاحيتها؛ وهو أمرٌ حاسمٌ لأهمية الدين، خاصةً للأجيال الشابة التى تعيش فى عالم مختلف تمامًا عن أجدادهم؛ وأن هذه القابلية للتكيُّف تساعد فى مواجهة المفاهيم الخاطئة حول الإسلام كونه جامدًا أو غيرَ مرنٍ
أضاف أن الفتاوى فى السياق الحديث لها دورٌ بارزٌ فى مكافحة التطرف فى عصرٍ يسهُل فيه انتشار المعلومات المضللة والأيديولوجيات المتطرفة بسرعة؛ فيمكن للفتاوى الرشيدة والموثوقة أن تقدم صوتًا للاعتدال والعقلانية وتعمل كرواية مضادة لتفسيرات التطرف للإسلام؛ مما يعزِّز فهمًا متوازنًا للدين وأن الفتاوى تحمل إمكانيةً كبيرةً لتحقيق رؤية متكاملة للتعاليم الإسلامية مع العالم المعاصر؛ حيث تُقدِّم إرشاداتٍ ضروريةً حول الأسئلة الأخلاقية الجديدة؛ مما يُعزز التدين الصحيح، ويكافح الأفكار المتطرفة.
شدد المفتى على أن إصدار الفتاوى يتطلب توازنًا دقيقًا من خلال الفهم العميق من العلماء للشريعة الإسلامية والقضايا المعاصرة؛ فقد تؤدى النظرة الضيقة أو عدم تقدير دقائق التحديات الحديثة إلى فتاوى جامدة أو بعيدة عن واقع عالمنا المعاصر؛ لذلك تعتمدُ فعاليةُ الفتوى بشكلٍ كبيرٍ على معرفة العالم ومنهجه واستعدادِه للتفاعل مع الأفكار الجديدة، داعيا إلى إدراك المفتى الواقع المعيش فيه، والإحاطة به من خلال منظومة كاملة من العلوم، وتحرِّى الواقع الاجتماعى والفكري، ومعرفة السياقات المحيطة بهذا الواقع فى كافة تفاصيلها سواء فيما يتعلق بالأشخاص أو الأحداث أو الأفكار أو علاقات تلك العوالم بعضها بالبعض.
أكد أن الفتاوى المتطرفة هى الأكثر خطرًا على المجتمعات؛ حيث مارس المتطرفون عمليات القتل وسفك الدماء تحت مسمى التكفير الناتج عن خلل الفهم لآيات القرآن الكريم ودلائل الحديث الشريف، فلم يأخذوا من القرآن إلا آيةَ السيف وتركوا آياتِ الرحمةِ والعدلِ وغيرهما من قيم الإسلام الأصيلة، كما أنهم لم يُفرقوا بين الاستعمال الحقيقى والمجازي، ولم يفهموا قواعد اللغة، واقتطعوا الآيات والأحاديث من سياقها، فجعلوا الجهادَ غاية بينما جعله الإسلامُ وسيلة، كما أنهم جعلوا قرار الجهاد والحرب بأيديهم؛ فى حين أنه فى الحقيقة قرارٌ لوليِّ الأمر قد كفلته له الشريعة الإسلامية ولم تكفله لغيره.
أشار إلى أن مصر تكثِّف جهودها لتقديم الصورة الصحيحة للإسلام وقِيَمه الوسطية السَّمحة بدلًا من الصورة النمطية المشوهة التى تعرضها بعض وسائل الإعلام المغرضة وأن العالم أجمع فى حاجة إلى المنهج المصرى الوسطي، مشيدا بما لمسه من ترابط بين سنغافورة ومصر، معبرًا عن تقديره لهذه العلاقات الوطيدة بين البلدين والسمات المشتركة التى تجمعها وأن الإسلام دين سلام ورحمة وتعاون على التنمية والاستقرار للأفراد والمجتمعات والأوطان، مشيرا إلى أن الإسلام نَسق عالمى مفتوح لم يَسْعَ أبدًا إلى إقامة الحواجز بين المسلمين وغيرهم؛ وإنما دعا المسلمين إلى ضرورة بناء الجسور مع الآخر بقلوب مفتوحة وبقصد مرحبا بتوضيح الحقائق.
وعلى هامش المؤتمر.. التقى المفتى أمس هنج سوى كيت نائب رئيس الوزراء السنغافوري.