فى الوقت الذى يسيطر القلق على منطقة الشرق الأوسط خوفا من تحول المواجهات العسكرية الإسرائيلية فى فلسطين ولبنان وإيران إلى حرب إقليمية شاملة، تدور تحركات أخرى على جبهات أوسع خارج المنطقة، لا تتعلق فقط بإجراءات للتحسب لوقوع هذه الحرب، بل بترتيبات لما يمكن أن يكون أكبر من مجرد حرب إقليمية بعد أن أصبحت الولايات المتحدة هى القاسم المشترك فى الصراعات المسلحة الإقليمية والعالمية.
إيران، التى تتأهب لمواجهة الرد الإسرائيلى المرتقب على هجماتها الصاروخية على الأراضى الإسرائيلية فى الأول من شهر أكتوبر الحالي، يزور رئيسها «مسعود بزشكيان» دولة تركمانستان، ليلتقى لأول مرة منذ انتخابه رئيسا بالرئيس الروسى بوتين، ليتفق الطرفان على ضرورة إتمام توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين فى وقت قريب، ويبحثان فى صفقات الأسلحة المنتظر تبادلها بين البلدين.. الصواريخ البالستية الإيرانية لروسيا، والمقاتلات وأنظمة الدفاع الجوى الروسية المتقدمة لإيران.
وزير الدفاع الروسى زار الصين، ليتفق خلال المباحثات مع نظيره الصينى على حاجة الدولتين لرفع مستوى التعاون العسكرى بينهما لمواجهة التحديات المشتركة.
والتحديات المشتركة المقصودة يأتى على رأسها بالطبع أوكرانيا بالنسبة لروسيا، وتايوان بالنسبة للصين.
وخلال الفترة القصيرة الماضية لاحظ العالم كله تكثيف روسيا والصين لمناوراتهما وتدريباتهما العسكرية المشتركة بصورة غير مسبوقة، وبكل الأسلحة خاصة البحرية فى المحيط الهادى والباسيفيكى حيث تقيم الولايات المتحدة وبريطانيا تحالفات عسكرية واسعة مع عدد من دول المنطقة.
وفى نفس أسبوع زيارة وزير الدفاع الروسي، أجرت الصين تدريبات عسكرية كبرى على مقربة من تايوان، وأعلنت رسمياً عدم تخليها عن خيار القوة لاستعادة الجزيرة إلى الوطن الأم، على حد تعبير المتحدث الصيني.
يحدث ذلك، بينما يجاهد الرئيس الروسى لاستعادة زمام المبادرة فى أوكرانيا عقب عملية «كورسك» التى نجحت القوات الأوكرانية فيها ولأول مرة منذ بداية الحرب مع روسيا فى فبراير 2022 بل لأول مرة فى تاريخ روسيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فى اختراق الحدود الروسية والتوغل داخل الأراضى فى محاولة لإقامة منطقة عازلة تستخدمها فى أى تفاوض محتمل على إنهاء الحرب كورقة مساومة على أراضيها التى تحتلها روسيا.
بينما تستمر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى دعمهما المالى والاقتصادى والعسكرى لأوكرانيا وتشديد عقوباتهما ضدها تمسكا بمبدأ أنه لا خيار أمام أوكرانيا فى هذه الحرب سوى النصر من أجل أمن أوروبا، ومن أجل استمرار هيمنة الغرب على النظام العالمي.
المؤشر الذى يمكن استخدامه من هذه التحركات وغيرها، أن السعى الحثيث للولايات المتحدة والغرب عموما لحصار روسيا والصين والأطراف الرئيسية المتعاونة معهما، خاصة إيران وكوريا الشمالية، يدفع الدول الأربع إلى مزيد من التقارب بينها، خاصة فى مجال الدفاع، استشعار المخاطر والتحديات التى تواجهها.
وأنه ربما يصبح رفع مستوى «التعاون» العسكرى فيما بينها تدريجيا إلى مستوى «التحالف» خيارا استراتيجيا لها فى المرحلة القادمة لتشكيل جبهة عسكرية موحدة فى مواجهة حلف الاطلنطى الغربى وفروعه وهذا يعنى حرباً عالمية روسية.
هناك بالتأكيد اختلافات بين الدول الأربع حالت وتحول دون هذا التحول من مستوى التعاون إلى مستوى التحالف العسكري، لكن الأمر فى المرحلة القادمة يتوقف على حجم المخاطر والتحديات التى تستهدف الولايات المتحدة بها هذه الدول، والتى من المرجح استمرارها، بل وتزايدها فى إطار التصعيد الأمريكى المستمر ضدها دفاعا عن النظام العالمى الذى تنفرد أمريكا بزعامته وتستشعر خطر سعى هذه الدول وغيرها لتغييره.
ولذلك فالتحالف العسكرى بين هذه الدول الأربع، ثنائيا كان أم جماعيا، يتوقف على السلوك الأمريكى تجاهها، ويصبح خيارا استراتيجيا فى اللحظة التى تستشعر فيها هذه الدول أن المخاطر والتحديات التى تواجهها وصلت إلى مستوى يستدعى التضحية بالاختلافات فيما بينها لأن كلا منها لن تستطيع دفعها بمفردها، خاصة بعد أن كشف تقرير للمخابرات الألمانية هذا الأسبوع عن أن الصراع العسكرى المباشر مع حلف الاطلنطى أصبح خيارا بالنسبة لروسيا.
يتوقف التحالف أيضا على مدى نجاح هذه الدول الأربعة بمشاركة كل الأطراف الدولية غير الراضية عن النظام العالمى الراهن وقيادته الأحادية فى الدفع فى اتجاه إقامة نظام عالمى جديد بقيادة جماعية وعلى أسس عادلة، وبلا معايير مزدوجة.
الشرق الأوسط على طريق التغيير، وكذلك النظام العالمى الراهن.. لكن فى الاتجاه المعاكس لما يحلم به نتنياهو للمنطقة أو تسعى إليه الولايات المتحدة على مستوى العالم.