سألت الأسبوع الماضى هل يمكن أن نرى العالم قريبا بدون الولايات المتحدة الأمريكية؟، أو على الأقل بدون هذه الهيمنة الأمريكية على العالم بالصورة التى نراها الآن؟
وتوقفت بعد طرح بعض المعطيات التى تشير إلى أن ما أطرحه ليس نوعا من أحلام اليقظة، لكن السيناريو الأمريكى الذى ينفذه الرئيس الأمريكى ترامب بدقة من خلال «بريسترويكا» ترامب على غرار»بريسترويكا» جورباتشوف، أقصد «كارثتوريكا جورباتشوف» التى أدت إلى ميلاد عالم القطب الواحد وما تبعه من الهيمنة الأمريكية على العالم.
> الآن «بريسترويكا» ترامب تنفذ السيناريو الجديد لانهيار نظام الهيمنة الأمريكى على العالم من خلال الممارسات الأمريكية «الترامبية ومن قبله.
ومن ملامح هذا السيناريو فى ركنه المعنوى بلغة القانون يكمن فى تزايد حجم الكراهية لأمريكا فى مختلف أنحاء العالم، والحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء، أما الركن المادى بلغة القانون فيتمثل فى الاقتصاد، ورغم التسليم حتى الآن بتفوق القوة العسكرية الامريكية، لكن لا يدرك الكاوبوى إنها قد تكون لصالح واشنطن بشرط ان يكون الطرف المواجه لها قوة فردية وحيدة أو قليلة، لكن فى مواجهة العالم كله فالمؤكد ان الأمر سيختلف كثيرا.
> من جهة ثانية حين ينتقل ميدان المواجهات كما هو حادث الآن إلى الاقتصاد الذى ظهرت له أنياب فى العديد من بلاد العالم المختلفة، أو فى تكتلات وليدة، فالأمر سيكون مختلفا، نعم الاقتصاد لابد أن تحميه القوة والتهديد بها، لكن ماذا ستكون النتيجة اذا كان الكاوبوى الأمريكى فى كفة وحدة، والعالم كله فى كفة أخرى بما فيها حلفاء وأصدقاء أمريكا ذاتها، بل وجيرانها وعلى سبيل المثال المشاكل التى أثارها ترامب وقبل دخوله البيت الأبيض للمرة الثانية مثل تهديده بضم بعض دول الجوار ومرورا ببنما وقناتها، وحتى أوروبا «حليفته «الرئيسية بدأ يدق هو وليس غيره أسافين الشقاق معها.
> لكن أعتقد ان الأمر سيكون مختلفا مع لغة أخرى هى الحاكمة الآن .. أقصد لغة الاقتصاد والتقدم التكنولوجى، فاليابان مقلا ليست قوة عسكرية كبرى مثل امريكا لكن الاقتصاد والتقدم التكنولوجى أمر آخر.
وكذلك المانيا، بل وأوروبا كلها حيث حجم القوة والانتاج والموارد البشرية والطبيعية، يعنى هنا أمر أخر سيكون الحاكم والفاعل.
> أما القوى الكبرى التى بدأت تكشر عن أنيابها بشكل ظاهر ورفعت راية التحدى والعصيان نجدها فى الصين وروسيا والهند وغيرها، وكل ذلك ينذر بميلاد نظام عالمى جديد بدأ فى التشكل نعم لم يكن هناك عامل واحد ولكن أعتقد الرسوم الجمركية التى أعلنها ترامب على دول العالم كله وبدرجات متفاوتة يمكن اذا تمت ان تكون القشة التى قصمت ظهر البعير، أقصد الكاوبوى الأمريكى.
> والسؤال هنا هل هذه الرسوم يمكن أن تؤدى مع غيرها لإنهيار الولايات المتحدة؟
الإجابة تستلزم ان نعرف ان ترامب علق الرسوم الجمركية «الانتقامية» ضد العالم كله 90 يوماً، لكنه بدأ يطبق حتى الآن 10٪.
لكن أرض المعركة الكبرى الاقتصادية الآن هى الصين التى تصدر لواشنطن كل شىء من موبايلات « آى فون» الأمريكى (!!)إلى ألعاب الأطفال إلى أجهزة الكمبيوتر والالكترونيات .. الخ ، وتمثل حوالى 14٪ من إجمالى واردات الولايات المتحدة، و بلغت رسوم ترامب الجمركية المفروضة عليها 125 ٪ وردت بكين على رسوم ترامب بفرض 84 ٪ على الواردات الأمريكية، وتهدد برفعها أكثر، ويكفى أن نعرف أن حجم التجارة المتبادلة بينهما فى السلع نحو 585 مليار دولار، العام الماضى.. حيث استوردت الولايات المتحدة من الصين ما قيمته 440 مليار دولار واستوردت الصين من الولايات المتحدة ما قيمته 145 مليار دولار.. يعنى واشنطن تعانى من عجز تجارى مع بكين قدره 295 مليار دولار فى عام 2024 المهم أنهما معاً يشكلان حصةً كبيرةً من الاقتصاد العالمى، تُقدّر بـ 43 فى المئة هذا العام، وفقاً لصندوق النقد الدولى.
مما يعنى أن الحرب التجارية بينهما سينال أقارها العالم كله بالإضافة الى تراجع نموهما مع حالة من الركود والخسائر فى سوق الأسهم، وكرة الثلج سيترتب عليها أضرارا كبيرة باقتصادات واستثمارات دول العالم.
> فهل سيكون الاقتصاد هو الحبر الذى سيكتب به الآن نهاية الهيمنة الامريكية على العالم وانتهاء حقبة القطب الأوحد إلى ميلاد عالم متعدد الأقطاب والسؤال المهم لنا هل سنجد مكانا لنا فيه؟!