د. محمد أحمد غنيم أستاذ الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنصورة الحاصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2019، عاشق التراب المصري بكل تفاصيله ومكوناته فقد ساهمت نشأته القروية في جعله مراقبا للقرية المصرية محباً لها طوال 20 عاماً، وقد تبلورت هذه المحبة في رغبته معرفة المزيد عن الإنسان المصري وحياته وعاداته وتقاليده، فتجول في ربوع مصر المختلفة ليقوم بدراسات عن مجتمعات كثيرة شكلت ثقافة المجتمع المصري.. فكتب عن الضبط الاجتماعي والقانون العرفي.. واستمع لحكايات الصيادين.. ورصد الأغاني الشعبية والثقافة المصرية في الأحياء الريفية.. وقام بتوثيق الحِرَفِ.. كل هذا التميز الفكري جعل الحوار مع د. غنيم ثرياً حيث تطرقنا للعديد من القضايا والمشروعات المستقبلية التي يسعى «جبرتي المستقبل» لتنفيذها.
ما أهمية دراسة الأنثربولوجيا؟
الأنثربولوجيا علم دراسة الإنسان اجتماعيا عن طريق دراسة النظم الاجتماعية التي يتشكل منها البناء الاجتماعي لأي مجتمع بالنظام العائلي مثل الزواج وتشكيل الأسرة وعلاقات الأقارب والنظام الاقتصادي، والقانوني، والسياسي، والديني، كما يتم دراسة الإنسان ثقافيا، وفيزيقيا من حيث نشأته وتأثير البيئة في حياته.
هل تغيرت نظرة المجتمع المصري للمرأة؟
لقد تغيرت كثيرا وهذا يعود تاريخيا الي ثورة 1919 التي أحدثت تغييرا كبيرا في المجتمع المصري بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة كما كتب الشيخ علي عبدالرازق فى كتابه الشهير « الإسلام و أصول الحكم» الذي تناول فيه العلاقة بين الدين والسياسة و أيضا التطوير الواسع التي شهدته جامعة الأزهر الشريف التي تحولت الي دراسة العلوم العقلية، وقد برز دور المرأة خلال ثورة 1919 حيث شاركت بقوة جنبا إلى جنب مع الرجل المصري في مشهد تاريخي أعادت تقديمه ثورة 30 يونيو 2013 وفي كل تلك السنوات تصاعد الدور السياسي والاجتماعي والتعليمي للمرأة المصرية التي شغلت مناصب مرموقة في الدولة وزيرة وقاضية.
هل تواجه العلوم الإنسانية أزمة حاليا؟
هذه الأزمة سببها عدم استخدام مناهج وطرق العلوم التطبيقية في دراسة الظواهر الإنسانية بهدف الوصول الي نفس الدرجة في الدقة التي بلغتهاالعلوم الطبيعية والبيولوجية، والدعوة الي اتباع المناهج العملية في العلوم الإنسانية دعوة قديمة، والشيء المؤكد أن المعرفة التي لا يمكن قياسها هي معرفة هزيلة، ونجاح العلوم الإنسانية يأتي من قدرتها علي استخدام مناهج العلوم الطبيعية وطرق البحث فيها واستخدام القياس والاحصائيات والاستبيانات، والعلوم الإنسانية أحد فروع المعرفة التي تحاول الجمع بين الجانب النظري بتفسير الوقائع والتنبؤ بها عن طريق النظريات الكلية التي تحاول تلك العلوم اكتشافها، بينما الجانب التجريبي أن تكون لها سند من التجربة يمكن عن طريق مشاهدتها التنبؤ بالأحداث و تفسيرها، والعلوم الإنسانية في الغرب قد خطت خطوات كبيرة في سبيل تطبيق المنهج العلمي في دراسات الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس.
حدثنا عن مشاريعك القادمة في إطار الثقافة والمعرفة؟
أريد القيام بعمل موسوعي كبير عن وصف مصر للعصر الحديث، استكمالا لما قام به علماء الحملة الفرنسية عام 1798 وقد آن الأوان أن يصدر عمل موسوعي كبير « وصف مصر الجديدة» وأنا سوف اتفرغ تماما للقيام بالمشروع مع جيش من العلماء في كافة التخصصات، كما أنني بصدد إعداد مؤتمر قادم « عن الانسان المصري والهوية في الثقافة الشعبية العربية أواخر العام الحالي وسوف يجمع المشتغلين بالثقافة الشعبية العربية من المحيط الي الخليج.
المركز الحضاري للتراث الشعبي في جامعة المنصورة ما فائدته مجتمعيا؟
هناك قوى كبيرة تسعى جاهدة إلى تفكيك الروابط الإقليمية والقومية لمحاولة إخضاعها لمشروعاتها الخاصة، مما استدعى ضرورة الحرص على التمسك بالخصوصيات الوطنية والمصالح القومية على المستوى الثقافي والاجتماعي، والعمل على تعميقها وتطويرها معرفياً وإبداعياً دون استعلاء عنصري على حقائق العصر، بل الحرص على تمثيل هذه الحقائق تمثيلاً عقلياً نقدياً وفى غير انصياع للآخر.
ما سر إهتمامك بدراسة الأغاني الشعبية؟
الأغاني الشعبية تهتم بالأحداث اليومية والاحتفالات مثل الحج والأعياد والزواج ومناسبات المولد النبوي الشريف وموالد القديسين، ويقوم الناس بالغناء بأنفسهم في تجمعاتهم العائلية، إلى جانب الموال الذي يتميز بالأداء الفردي، وكذلك غناء الفلاح في الحقل بكلمات عن الوعظ والنصيحة، وتعتمد الأغنية الشعبية كلمات تعكس عادات وتقاليد ومعتقدات وطبيعة المجتمع، ويمكن تفسير هذه النصوص الغنائية في ضوء التاريخ الاجتماعي للقرية والمدينة في مصر، والتنافس بين الطبقات وصراع الأجيال،وهذا سر عنايتي بها واهتمامي بدراستها لأنها تحكى قصة المجتمع.
الفلاح له مكانة ممتدة في دراستك ما؟
الفلاح المصري ثروة مصر الأساسية، وعندما قررت عمل دراسة عنه باسم (نحت الفأس) ونشرتها وزارة الثقافة في 2020 واجهت عديداً من العراقيل والصعوبات، وكنت أتمنى أن يكون لدى فريق من الباحثين للمساعدة في جمع المادة الميدانية، حتى أستطيع تنفيذ ما كنت أحلم به، ولكنني رغم الصعاب التي واجهتها أمضيت ما يزيد على 20 عامًا في رصد كل ما كُتب عن الفلاح وأرضه ومسكنه وأدواته من خلال الكتب والموسوعات، وهذا الرصد الذي قمت به سيبقى دليلاً على أن الفلاح المصري أيقونة المجتمع المصري منذ فجر التاريخ.
ألم تأخذ قلبك أى حرفة غير الزراعة لتدرس تاريخها وواقعها؟
قمت بدراسات عن الصيادين، وذهبت إلى عزبة البرج في دمياط، حيث تناولت النمو السكاني بالعزبة، وصناعة السفن، وملكيتها، وعن الأسماك وأنواعها وأمراضها وصناعة الصيد وأدواته ومشاكله والصيادين، ثم عرضت الحياة الاجتماعية داخل مجتمع الصيادين وكيف أنهم يقضون حوالي ثلث عمرهم بالبحر وهى حياه ملهمة استفدت منها كثيراً كذلك، ودور المرأة المهم في ذلك.
هل توسعت في دراستك عن الحِرف الشعبية؟
دراسة الحرف والصناعات الشعبية ضرورة لتحقيق التنمية الاقتصادية حيث تهدف إلى دراسة الأصول الإنتاجية لتلك الحرف الشعبية والكشف عن مدى قابليتها للمعايشة مع أدوات العصر، والميكنة الحديثة والخامات المستحدثة، إضافة إلى دراسة المقومات الفيزيقية في البيئة ومواردها الطبيعية وإمكاناتها البشرية والإبقاء على هذه الحرف وتطويرها، ولقد قمت بحصر لهذه الحرف مثل: صناعة الفخار، والطوب، والمراكب، والسجاد واغلب الحرف الشعبية من صناعات مرتبطة بالبيئات الاجتماعية المختلفة، وتوصلت إلى أن هذه الحرف يجي دعمها من رجال المال والأعمال بصورة تضمن استمرارها وفتح مجالات التصدير أمامها، وهذا منهج متبع في أغلب دول العالم التي تعمل على تنمية تراثها وميراثها الشعبي.
مهنة الطب الشعبي هل خضعت لدراستكم؟
بالطبع قمت بعمل دراسة عن الطب الشعبي تناولت فيها الممارسين الشعبيين مثل: المجبراتى، والحلاق المعالج، وكان الجراحون والحجامون، يمارسون مهنة الطب تحت رئاسة شيح حرفة يطلق عليه جراح باشا، ولم يتعلموا في مدارس أو يقرأوا كتباً، ولم يزاولوا المهنة بأدبياتها المتعارف عليه، وقمت بدراسة مراحل التطور المجتمعي في التعامل مع الطب مرورا بالتغيرات الفكرية التي لا تزال لها بقايا في بعض القرى والنجوع التي تؤمن إيمانا كاملا بالطب الشعبي رغم ثورة التقدم الطبي. وأهتممت بمؤتمرات الثقافة الشعبية العربية التي ضمت أكثر من خمسين شخصية عربية ومصرية منذ 1998 حتي مارس 2020 بالتعاون مع المجلس الفعلي للثقافة.