منذ خمس سنوات كنت أستعد لأداء فريضة الحج الأمر الذى كتب لى دون تخطيط أو ترتيب فجأة وجدت تأشيرة فى جواز سفرى قبل أيام من وقفة عرفات فبدأت السعى لحجز تذكرة الطيران والبحث عن أماكن للإقامة فى مكة ودون أن أدرى ، كان الأمر فى غاية التيسير حتى ملابس الإحرام اشتريت بعضها والبعض الآخر اهدته لى صديقة حتى لا تكلفنى عناء البحث نظراً لضيق الوقت وصديقة أخرى أحضرت لى حذاء أبيض خفيفاً لارتديه فى المناسك قالت لى فى كل عام ستشاهدى الحجيج فى عرفة ستبكى لإنك لست معهم.
ضيق الوقت كان يربكنى لكن الله وضع فى طريقى كل من يسهل وصولى إلى بيته رغم أن الأمر بدا صعباً للغاية والأحداث التى أحاطتنى كانت تنذر بعدم اكتمال الأمر خاصة بعد وفاة مدير شركة السياحة الذى حجز لى تذكرة الطيران فى حادث مأساوى قبل أن اتسلم التذكرة منه كذلك ضياع حقيبة سفرى فى مطار جدة وانتظارى لأكثر من أربع ساعات حتى عثر عليها لكن فجأة وجدت نفسى بحول وقوة الله لأول مرة فى حياتى أطوف ببيته الحرام أدعو لى بالرحمة والمغفرة ولكل من ساعدنى ليكتب لى زيارته حتى كان الصعود إلى عرفة ورغم ما لاقيته أيضاً من معاناة ومشقة استمرت ما يقرب من عشر ساعات بسبب المطوف الذى لم يقدم لنا الخدمات التى حجزناها معه قبل السفر إلا أن أحداث هذا اليوم كفيلة لتجعلنى أبكى حقاً عندما أشاهد الحجاج على جبل عرفات كل عام كما قالت لى صديقتى قبل السفر وأنا لست معهم.
يوم عرفة كل عام أتذكر نفسى عندما كنت هناك وكانت درجة الحرارة كفيلة بأن تصيبنا بالاختناق لكننا لم نكن نشعر إلا بالراحة والسكينة حتى نزل علينا المطر ليزيدنا خشوعاً وإيماناً بلطف المولى -عز وجل- ورحمته بنا.
ذاكرتى دائماً ما تستدعى مشهد المبيت فى المزدلفة وكيف كان مشهداً قادراً على أن ينسينى أى شيء وأنا أشاهد الجميع يفترش الأرض وينام فى سكينة حتى كان أذان الفجر وبدأ الاستعداد للذهاب لمنى ورمى الجمرات وهنا لم ينقطع لسانى عن الحمد والشكر لله- عز وجل- لأنه كتب لى الحج وأنا فى سن يجعلنى قادرة على تحمل هذه المشقة.
قبل سفرى للحج كنت أتعجب ممن يسافرون كل عام لأداء الفريضة لكن بعد أن كتب الله لى أداءها أصبحت أدرك السبب ففى الحج متعة لا يشعر بها إلا من عاش تفاصيلها التى لا تنسى مهما مر الزمن وفى مكة قدسية لا تتوافر فى أى مكان آخر تزوره ليس فقط فى أماكن المشاعر ولكن حتى فى شوارعها والمساجد الصغيرة فيها فكل مكان له حلاوته.
هذا العام أتذكر كيف كانت إرادة الله كفيلة بأن تكتب لى أداء الفريضة رغم كل الصعوبات التى واجهتنى وأنا أشاهد هؤلاء العالقين الذين سمح لهم بأداء مناسك الحج رغم أنهم جاءوا بدون تأشيرة وكيف انطلقوا يهرولون فور السماح لهم وهم يرددون الله أكبر فى فرحة لا توصف فحقاً الله أكبر وهو وحده القادر على أن يكتب لنا أداء هذا الركن من أركان الإسلام فالحمد لله على المنح ونعوذ بالله من المنع ونسأل الله أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال وأن يكتب لنا العودة فى السنوات القادمة وكل عام أنتم إلى الله أقرب.