لكم من طبيب إنسان بكل ما تعنيه كلمة الإنسانية من معان عرفته، ووددت لو ذكرت كل واحد منهم باسمه إكراما لإنسانيته، غير أن المقام سيطول بذكر كل من عرفت من الأطباء النبلاء، فالطب مهنة إنسانية قبل كل شيء. وقد سموا الطبيب حكيما، والأطباء حكماء لما هم عليه من الحكمة، وما يجب أن يتسموا به منها، وعلى الرغم من أني مدين لأكثر من تعاملت معهم من الأطباء بكرم الطباع وحسن المعاملة، ولم أجد من أحدهم إلا ما يحمل على المودة والتقدير، فإنني من واقع انشغالي بترسيخ كل ما هو إنساني أذكر بما يأتي :
1 – أن المريض إنسان مكروب ولا كرب أشد من المرض وأصعب من الألم فالمريض إنسان في موضع ضعف شديد مهما كانت رتبته أو مكانته العلمية أو الأدبية أو السياسية أو إمكاناته المالية، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: « مَنْ فرج عن مسلم كَرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَب يَوْمِ القِيامة, وليست الكربة في المال أو ضيق ذات اليد فحسب، بل إن كربة الألم أشد وأوجع بدليل أن الإنسان مهما كانت درجة فقره أو فاقته فإنه يكون على أتم استعداد لبيع كل ما يملك بما فيه بيته الذي يؤويه بل على استعداد أن يستدين بأي طريق كان ليعالج نفسه أو زوجه أو ولده أو أحد أبويه .
2 – أن المريض أكثر الناس حاجة إلى بث الأمل والطمأنينة في نفسه ولو مع دنو أجله، كما أنه في حاجة إلى الكلمة الرقيقة والبسمة الحانية، وإذا كانت البسمة في وجه أخيك الإنسان صدقة، فإنها في وجه المريض الزم وأوجب واعظم أجراً وثوابًا ، كما أن المريض معذور بمرضه وأن الح في السؤال لجهله، يقول الحق سبحانه : »ولا على المريض حرج» بإطلاق لفظ المريض دون تفرقة بين مريض ذكي وآخر غير ذكي أو مريض عالم غير عالم .
3 – أن المريض قد يجتمع عليه المرض والعوز فيكون أكثر حاجة إلى الرحمة والشفقة والصبر عليه وجبر خاطره وعدم الاشمئزاز منه فهذا المريض كفيله وشفيعه هو ربه الذي اختبره وامتحنه بما هو فيه من فقر ومرض يقول الحق سبحانه في الحديث القدسي : »يا ابن آدم مرضت فلم تعدنِي قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وأنتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنْ عَبْدِي فُلَانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ «
4 – ضرورة أن يتذكر الطبيب ما أنعم الله عليه به من نعم الذكاء والتعلم والتفوق والتوفيق وأن يعلم أن الذى لهذه النعم شكرا يجب أن يؤدى، وأفضل شكر للنعمة هو ما يكون من جنسها والإحسان فيها فشكر المهارة في الطب يكون بحسن معاملة المرضى وإكرام الفقراء والمحتاجين منهم، وأن تتذكر جميعا أن من لا يرحم لا يرحم، وأن الرحمة لا تنزع إلا من شقي.
5 – أن ما كان مكتوبا لأي إنسان منا من المال أو غيره فسوف يأتيه دون زيادة أو نقصان وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا, ولن تموت نفس حتى تستوفى أجلها ورزقها، وأن كل شيء عند الله سبحانه وتعالى بقدر ومقدار.
6 – أن كفاية الأمة في جميع مجالات الحياة إنما هو فرض من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثم كل من علم وكان قادرا على أن يقوم بفرض الكفاية ولم يفعل فكما أن تعليم علوم الدين وأصوله فرض كفاية على العلماء ومحو أمية غير المتعلمين فرض كفاية على المعلمين فإن علاج المرضى فرض كفاية على الأطباء في كل مجتمع من المجتمعات قرية أو مدينة أو دولة كل على قدر استطاعته، على أن يكون الأمر على أعلى درجات الهمة والاستطاعة لا على أقلها ولا أدناها، فلا عليك إن خصصت جزءًا من وقتك لعلاج غير القادرين في مصحتك أو مشفاك.
ويبقى للطبيب علينا جميعاً احترامه وتقديره وتقدير الدور العظيم الذي يقوم به.