الطب على طريقة الأفلام العربية، مختلف وغريب وطريف ومؤثر، والثقافة الطبية السينمائية أصبحت هى السائدة والأكثر حضورا، والنتيجة قصص مؤلمة لمعاناة أشخاص رفضوا أن يصدقوا أطباء الواقع ويكذبوا أطباء السينما. فى السينما، إذا كان المريض السينمائى يعانى من مرض عضال، فإن الطبيب الكومبارس يقترح دائما على ذويه يسمحون له بتناول كل ما يشاء من طعام وشراب وأن يعيش حياته كما يحلو له، مضيفا: «مافيش فايدة».
والحمل على الطريقة السينمائية حكايته حكاية.. البداية تكون غالبا تعرض المرأة الحامل لحالة اغماء مفاجئة يتم بعدها استدعاء الطبيب الذى يصل فى دقائق وكأنه خالى شغل.. يدخل الطبيب السينمائى منتفخا كالطاووس الى غرفة المريضة التى لا تنطق وكأنها فى غيبوبة.. يمسك بيدها وينظر فى ساعته الأنيقة وبعد اقل من دقيقة ينظر اليهم وابتسامة صفراء تملأ وجهه قائلا.. مبروك المدام حامل ويجب ان تستريح ولا تتحرك ولا تبذل أى مجهود.. لنجد انفسنا أمام حالة غير مسبوقة فى تاريخ الطب الحديث والقديم.. وهى تشخيص الحمل من اليد عبر قياس النبض.
والطبيب السينمائى عبقرى فذ.. فهو يستطيع تشخيص الازمات القلبية والالتهابات الكبدية والأورام السرطانية بنظرة عين.. وهو لا يشغل نفسه بأخذ التاريخ الصحى للمريض ليعلن بثقة يحسد عليها ان المريض يعانى من انهيار عصبى وأنه لا يحتاج الى اى علاج اكثر من الابتعاد عن الضغوط وعدم تعريض لاى منغصات نفسيه والافضل ان يقضى عدة ايام فى الساحل الشمالى او العين السخنة وفى بعض الحالة المستعصية ينصح بعطلة فى شرم الشيخ.. رغم ان الانهيار العصبى يحتاج الى فحوص وجلسات تحليل نفسى والعلاج لا علاقة له بالعين السخنة او شرم الشيخ.
أحد الأشخاص الذين يعانون من تضخم ثقافى طبى سينمائى تعرض لمأساة عندما استعان بثقافته السينمائية لتقييم الحالة الصحية لطفله الوحيد.. والبداية كانت عندما توجه بطفله إلى الصحة المدرسية لتوقيع الكشف الطبى الشامل، حيث طلب منه الطبيب عرض طفله على اختصاصى قلب لوجود «لغط» فى قلبه.. وهنا اسودت الدنيا فى وجه الاب الذى لا يعرف ان اللغط حالة عادية تصيب عدداً كبيراً من الأطفال فى مرحلة من مراحل العمر وسرعان ما تختفى مع تقدم السن فى معظم الحالات.. المهم ان الأب سارع إلى عرض طفله على احد الأساتذة المتخصصين فى طب قلب الأطفال، وبعد فحوص دقيقة جدا وطويلة أيضا أكد له الطبيب أن قلب طفله سليم ونصحه بأن يترك طفله يأكل ما يشاء ويفعل ما يحلو له.. ولأن العبارة الأخيرة هى نفس العبارة التى تتكرر على لسان الطبيب الكومبارس فى كل فيلم سينمائى عندما تكون الحالة مستعصية، فقد تأكد أن حالة طفله ميئوس من شفائها.. فانهار الاب وتراجع اداؤه فى العمل وخيم الحزن على الأسرة فى انتظار القدر السينمائى المحتوم.. وتم منع الطفل من الذهاب الى المدرسة ومعاملته فى البيت كمريض حالته مستعصية ولا يفصله عن النهاية سوى ايام قليلة.
مشكلة هذا الأب المسكين وغيره كثيرون، هى مشكلة التفاهم الغائب والتواصل المفقود بين المريض والطبيب، فالطبيب الكبير أكد له أن طفله سليم ولم يشرح له ما المقصود باللغط ولا سبب ظهوره رغم عدم وجود مشكلة فى القلب، الطبيب الكبير حاول طمأنة الأب بكلمات مقتضبة فضاعف مخاوفه.
المشكلة تكمن فى أن الكثير من الأطباء يؤمنون بأنه ليس من حق المريض أن يعرف أكثر من اسم مرضه ونوع الدواء.. والنتيجة استسلام لطب السينما وثقة عمياء فى الأطباء الكومبارس.