فى 15 يناير عام 2009 حدثت معجزة جوية لا يصدقها عقل، عندما هبطت الطائرة إير باص إيه 320 التابعة لخطوط الجو الأمريكية من ارتفاع بلغ قرابة 3200 قدم فوق نهر هدسون بعد خمس دقائق فقط من اقلاعها بعد أن ارتطمت الطائرة بسرب من الطيور بعد دقيقة ونصف الدقيقة من لحظة الإقلاع، تسبب هذا الارتطام المفاجئ بشل حركة المحركين تماما ولم يتمكن قائد الطائرة من التحكم فيها فاضطر إلى الهبوط الاضطرارى فوق النهر، وسميت هذه الواقعة فيما بعد بمعجزة نهر هدسون ، وفى اغسطس 2019 هبطت طائرة روسية فى أحد حقول الذرة قرب العاصمة الروسية موسكو بعد دقائق من اقلاعها بعد ان دخلت الطيور إلى محركات الطائرة بفعل عمليات الشفط العنيف للهواء من مراوح المحركات العملاقة، وفى العاصمة الكوبية هاڤانا قائد الطائرة بوينج 737 للعودة مجددا إلى مطار هافانا الدولى بعد أن اصطدمت الطيور بأنف الطائرة وأحد محركيها الاثنين ولم يصب احد من الركاب بسوء، وقدرت الخسائر التى تنتج عن حوادث الطيران الناتجة عن اصطدام الطيور أكثر من مليار ونصف المليار دولار سنويا، الشاهد ان حوادث الاصطدام بين الطائرات والطيور باتت مقلقة، ورغم تعدد رحلات السفر التى أقوم بها بحكم العمل او السياحة لم أتعرض لهذه النوعية من الحوادث والحمد لله، لكن بالأمس حدث امامى ما كنت أقرأ عنه، لقد ارتطم الطائر البائس بمحرك الطائرة الذى لا يفهم ولا يتفاهم، فقد شفط الطائر وفرمه لكنه لم يتحمل هو ايضا الصدمة فتوقف وربما تعرض لانفجار ولم يعد فى مقدور قائد الرحلة إلا ان يتخذ القرار الوحيد وهو الهبوط العاجل فى اقرب مطار، لحظات لن تنسى وستظل محفورة فى قلب الذاكرة ، فبعد إقلاع الطائرة بدقائق وبعد فك رباط الأحزمة سمعنا صوت ارتطام مخيف بمحرك الطائرة أدى إلى إحداث صوت مرعب وكأن هناك شيئاً معدنيا يتحطم على مقصلة معدنية ايضا، حالة من الصدمة جعلت أبصارنا شاخصة وأسماعنا تنهكها تلك الأصوات المقتحمة المفزعة، تحولت الصدمة إلى تساؤل هستيرى ماذا يحدث وليس ماذا حدث فالصوت المميت مازال يسطو على وعينا المفقود، لم تكن هناك اجابات بل تابعت همهمات مكتومة من بعض الجالسين على مقربة مني، نهضت مسرعا اسألهم بحق السماء ماذا يجرى للطائرة ؟ أجابنى احدهم بقوله « المرجح أن طائرا ضخما ارتطم بمحرك الطائرة وما نسمعه الآن هو عملية فرم جسم الطائر بين مراوح المحرك التى ربما خرجت من الخدمة والطائرة تطير على محرك واحد ! فجأة جاء صوت قائد الطائرة ليعلن لنا نبأ عاجلا، كانت لحظات ترقب مثير وقلق بالغ، « هناك حالة طوازئ فنية .. سنضطر للعودة من حيث أقلعنا « وبين الخوف والرجاء مرت بنا الدقائق التى استغرقتها عملية العودة مجددا وكأنها الدهر، لحظات ثقيلة غاب فيها العقل قليلا وتوارى خجلا وأفسح المجال للقلب والروح يحلقان معا وهما متعانقان طمعا وأملا فى رحمة الله سبحانه بنا ونحن معلقين بين السماء والأرض فى لحظات نادرة، شريط الحياة منذ وعينا على الدنيا وصولا إلى تلك اللحظة الداكنة الغائمة التى لا نعرف لها مثيل، محطات عديدة مرت امام أعين زائغة وقلوب مرتجفة ، مراجعات عديدة وسريعة وفاصلة، كانت محاولات البعض لتخفيف حدة القلق والهلع فاشلة حيث تحطمت جميعها على أصوات المحرك الذى هوى فى لحظات، علمنا أن الطائرة تطير بمحرك واحد وهو قادر على جر طائرة أكبر من تلك التى نحن على متنها، دقائق ووصلنا إلى مطار الاقلاع من جديد وكانت تجهيزات الطوارى من اسعاف ومطافئ وخلافه على أهبة الاستعداد، وفى دقائق معدودة أخرى كنا على متن طائرة أخرى أقلتنا إلى حيث اردنا الوصول، فلا سامح الله الطائر البائس الذى هوى وكاد يهوى بنا فالحمد لله من قبل ومن بعد .