فى نقاش أكاديمى مع كاتب أمريكى سألته سؤالا واحدا: ألم تكن الولايات المتحدة قادرة منذ اللحظة الأولى على إنهاء هذه الحرب المدمرة فى غزة؟ أجابنى بسؤال صادم قال لي: هل تعلم ما هو حجم شعبية إسرائيل فى الولايات المتحدة؟ قلت له أظنها كبيرة.. ابتسم قائلا: إن شعبية إسرائيل فى الولايات المتحدة تزيد على شعبية الرئيس الأمريكى جو بايدن شخصيا؟ أبديت اندهاشى واعتبرت أنه بذلك اجاب على سؤالي.. وانتهى النقاش لكن الفضول دفعنى للبحث فيما قال.
المسألة تحتاج الرجوع بالزمن للوراء لما قبل 1948، فمنذ الأيام الأولى لنشأة الكيان الصهيوني، حرص قادة الكيان، على إقامة علاقات خاصة مع الولايات المتحدة ودعم سياسة العداء والتآمر ضد المصالح الوطنية للدول العربية وهذا الدور خططت له الصهيونية قبل قيام إسرائيل ونذكر هنا النداء الذى وجهه يهود أمريكا إلى الرئيس هارى ترومان فى أكتوبر 1947 وقالوا نصا: «إن الولايات المتحدة لا يمكنها الاعتماد فى الأيام القادمة على حليف حازم، خير من دولة يهودية فى ذلك الجزء من العالم».
ذكر والتر راسيل مييد الباحث بمجلس العلاقات الخارجية، خلال محاضرته بمنتدى بوسطن «أن التأييد الأمريكى البروتستانتى لليهود وإسرائيل وجد قبل أن يطأ اليهود الدولة الأمريكية الناشئة، وقبل أن تتأسس إسرائيل.
من جانبها اعتبرت الولايات المتحدة إسرائيل نقطة انطلاق أمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، ولعل هذا يفسر لنا الجملة الشهيرة للرئيس بايدن التى قالها عام 1986 عندما كان عضوا فى مجلس الشيوخ «إذا نظرنا إلى الشرق الأوسط، لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها فى المنطقة».. ويفسر لنا أيضا تشابك الدور الذى تلعبه إسرائيل مع خطط السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث إن مصير إسرائيل مرتبط بإستراتيجية الولايات المتحدة، التى تريد أن تظل إسرائيل مسمار جحا فى الشرق الأوسط من وجهة نظر برجماتية بحتة بغض النظر عن الرؤية التاريخية الدينية.
فلنتأمل مثلا ما كشفت عنه استطلاعات للرأى تجريها مؤسسة جالوب الأمريكية بصورة دورية منذ 1975 تقول إن شعبية إسرائيل تزيد على شعبية الرؤساء الأمريكيين، وأظهر استطلاع أجرته المؤسسة خلال الفترة من «3 إلى 18» فبراير الماضى أن شعبية إسرائيل تبلغ 75 ٪، وهى ثانى أعلى نسبة بعد نسبة 79 ٪ المسجلة فى عام 1991 بعد حرب الخليج.. وتزيد نسبة تأييد إسرائيل بين الأمريكيين هذا العام على نسبة تأييد الأمريكيين للرئيس جو بايدن حيث بلغت نسبة التأييد له ولسياساته 53 ٪ مقابل معارضة 43 ٪ طبقا لاستطلاع أجرته شبكة «سى إن إن» على 1044 أمريكيا بين 21 و25 من أبريل الماضي، وتظهر الاستطلاعات أيضا أن النظرة إلى إسرائيل إيجابية من قبل أغلبية جميع المجموعات الحزبية على مدى العقدين الماضيين وفى آخر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة جالوب، رأى 85 ٪ من الجمهوريين إسرائيل بشكل إيجابي، مقارنة بـ77 ٪ بين المستقلين و64٪ بين الديمقراطيين.
إن مصدر القوة الكبيرة للمنظمة الصهيونية الأمريكية هو تعدد وتنوع اتصالاتها، ومعرفتها الدقيقة بأولئك الذين يتحكمون فى الموارد البشرية التى يستطيعون الاعتماد عليها داخل الولايات المتحدة، ومن هنا نستطيع الإجابة لماذا لم تنته هذه الحرب حتى الآن؟ ولماذا يكرر الرؤساء الأمريكيون فى اجتماعاتهم مع قادة اليهود الأمريكان داخل اللوبى الصهيونى المسيطر فى أمريكا أنهم لن يفرضوا حلا للصراع، ولن يقدموا على فرض حل على الإسرائيليين أو الفلسطينيين، ويؤكدون فقط أن دورهم يتمثل فى عرض خطوط عريضة للتفاوض بين الطرفين.