من الواضح أننا أمام نظام عالمى فقد صلاحيته بات عاجزاً عن تحقيق العدل وإطفاء الحرائق وإنقاذ البشر.. نحن أمام تركة نظام قديم مريض.. هناك من يسعى إلى استمرار وجوده والحفاظ عليه.. بل وتقويته ومد نفوذه.. وهناك من يعمل على التخلص منه بنظام عالمى جديد متعدد الأقطاب.. الصراع بين النظامين والحرب الشرسة بينهما لها تكلفة باهظة تدفعها الشعوب والدول النامية من أزمات اقتصادية طاحنة ودمار وخراب وقتل.. والضحية شعوب ودول.. متى يلفظ النظام القديم أنفاسه؟!.. ومتى تبزغ شمس النظام الجديد؟!.. وهل يتعافى «القديم».. أم أنه فقد شرعيته بات عاجزاً مهما فعلوا من محاولات إنقاذ هل يقترب النظام الجديد متعدد الأقطاب فى الإعلان عن نفسه.. هذا ما سنراه فى القادم.. لكن تستمر معاناة العالم إلى أن تظهر النتيجة.
هل تحول العالم إلى غابة يأكل فيها القوى الضعيف؟!.. هل نحن أمام نظام عالمى أصبح يهدد وجود البشر.. بعيداً عن العدل والرحمة والإنسانية والخير والبناء.. وبات ساحة وحلبة للصراعات والنزاعات والحروب والاقتتال الأهلي.. تزهق فيها ملايين الأرواح وتهدر فيها تريليونات الدولارات.. على الخراب والدمار وليس الرفاهية والازدهار؟!
الحقيقة.. أن هناك العديد من الأصوات فى العالم تطالب بتغيير النظام العالمى القائم.. الذى يرتكز على صناعة الصراعات والإسراف فى الانتهاكات وإطلاق العنان للحروب والنزاعات والمؤامرات والمخططات وتغيب عنه العدالة والمساواة.. ومريض بازدواجية المعايير والكيل بمكيالين.. ولنا أن نتخيل.. كيف ينفق النظام العالمى القائم ما يزيد على 17 تريليون دولار سنوياً على إدارة الصراعات والحروب والقتل والدمار والخراب.. واستثمار هذا الشر فى جلب مصالح ومكاسب وعمليات سلب ونهب لثروات وموارد الدول التى تسقط ضحية هذه الصراعات والمؤامرات.
النظام العالمى القائم بات عبئاً على حاضر ومستقبل البشرية.. يهدد الأخضر واليابس ولا يحظى بأى نوع من المصداقية.. لأنه نظام متآمر وظالم وانتهازى ولا يتسم بالحياد أو النوايا الصادقة لتحقيق العدل وترسيخ الأمن والاستقرار والسلام.. يتعامل بوجه معلن وبآخر خفى.. لا يساوى فى تعاملاته بين دولة وأخرى أو منطقة ومنطقة أخرى.. لم يفلح فى ترويج وتسويق شعاراته من عدم التمييز أو العدل أو الإنسانية أو الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. باتت قوانينه منتهية الصلاحية.. فلا أحد يصدق الآن وجود قانون دولى أو قانون دولى إنسانى أو جدوى القرارات الأممية.. أصبحت منظومته الأممية ومؤسساته الدولية بلا جدوى.. فما يدور من حروب طاحنة ونزاعات مستشرية وصراعات متفشية وقتل لا يتوقف ودمار يخيم على دول المنطقة والعالم.. يقول إننا أمام نظام عالمى مستبد ومنظومة أممية ودولية عاجزة.. وهو ما عبر عنه الكثير من قادة العالم.
الغريب.. أن النظام العالمى القائم الذى احترف الهيمنة والسيطرة وإشعال الحروب والصراعات وتدمير الدول وإهدار مواردها وثرواتها وتشريد الشعوب والتناقض وازدواجية المعايير.. كشفتها صراعات وحروب السنوات الأخيرة.. فالانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان فى دول الغرب لا أحد يتحدث عنها.. ونفس هذه الدول التى تعانى مرض الازدواجية تطلق فزاعاتها وابتزازها وتدخلاتها فى دول لا تحدث فيها انتهاكات ترقى لمثل ما يحدث داخل هذه الدول.. والغريب أيضا.. أن هذا النظام العالمى القائم يخوض حرباً شرسة بكل من أوتى من قوة وبطش وإشعال للحرائق وإسقاط للدول وصناعة للأزمات بين الدول وخلق ذرائع ومبررات واهية ومصطنعة للتدخل فيها من أجل أن يبقى ويقوى ويظل هذا العالم على حاله يعانى الخراب والدمار والقتل وسفك الدماء واستنزاف موارد وثروات البشرية.. المستفيد فيها قوى هذا النظام المهيمنة.
النظام العالمى القائم والساعى إلى الاستمرار للبقاء والقوة.. يشعر بأن هناك قوى أخرى تصارعه وتحاول هدمه وكسره وإسقاطه والقضاء عليه.. لذلك يزداد عنفاً وبربرية ووحشية ويطلق المزيد من الصراعات والتوترات.. فما يحدث فى الشرق الأوسط من حرائق وحروب وصراعات ونزاعات جاء بالدرجة الأولى من المعركة المحتدمة بين النظام العالمى القديم والنظام العالمى الجديد الذى يعتمد على تعدد القطبية.. النظام القديم يسعى وبقوة لقطع الطريق على القوى الصاعدة والجديدة التى تسعى إلى إنشاء وتأسيس نظام عالمى جديد.. لذلك نرى ما يحدث فى الشرق الأوسط هو محاولة لمزيد من السيطرة والهيمنة ومد النفوذ على المصالح والطرق البحرية والحيلولة دون وصول القوى الجديدة إليها.. فهى حرب مصالح ووجود وتكسير وتحطيم عظام بالدرجة الأولى بين النظام العالمى القائم والنظام العالمى الجديد.. وهو ما نراه أيضا فى الصراع الأوكرانى- الروسى.. فهذا الدعم الأمريكى والغربى غير المسبوق لأوكرانيا.. والذى وصل فى آخر قراراته إلى تخصيص 60 تريليون دولار لدعم أوكرانيا فى حربها ضد روسيا.. رغم أن هذا الدعم الذى انطلق منذ فبراير 2022 قصد الجانب المعلن من الدعم «المال والسلاح».. لم يسفر عن أى نتيجة لصالح أوكرانيا.. بما يشير إلى أن الهدف بالنسبة لقوى النظام العالمى القديم هو محاولة استنزاف وإشغال وإلهاء روسيا.. مع اتخاذ إجراءات خاصة اقتصادية أو إشعال بؤر توتر أمام الصين وعدم السماح لها بالتمدد فى مناطق النفوذ القديمة للنظام القديم سواء الشرق الأوسط أو أفريقيا.. وفى ذات الوقت تنطلق قوى النظام العالمى القديم إلى الشرق الأوسط والسيطرة والهيمنة على كافة المصالح والطرق والممرات البحرية وقطع الطريق على القوى المناوئة للنظام العالمى القديم وحرمانها من التمدد.. ولعل حالة العنف والتصعيد من خلال وكيل النظام العالمى القديم.. وقوى الهيمنة- أقصد إسرائيل- التى تم تصنيعها وتخليقها خصيصاً سواء لصنع الاضطرابات والتوترات والصراعات وإيجاد ذرائع للتدخل أو حماية مصالح النظام العالمى القديم.
باختصار.. ما نراه فى العالم الآن من صراعات وحروب وتوترات ونزاعات واقتتال أهلى ومؤامرات وتدخلات سافرة وانتشار لمظاهر الدمار والخراب وإسقاط الدول.. ما هى إلا تداعيات وانعكاسات للصراع الدائر وحامى الوطيس بين النظام العالمى القديم الذى يسعى إلى البقاء وأن يكون أكثر قوة.. والنظام العالمى الجديد الذى يتأهب للإعلان عن نفسه.. لكنه يواجه صعوبات ومحاولات لضربه وعرقلته وتكسير عظامه وتحطيم أجنحته.. هذه النتائج والأعراض للصراع بين النظامين القديم والجديد.. هى ما نرصدها ونشاهدها فى الشرق الأوسط ومناطق كثيرة فى العالم.. وتدفع الدول النامية ثمنها.. مظاهرها.. اضطرابات وحرائق وصراعات وأزمات اقتصادية طاحنة سواء مُخططة من النظام القديم أو ناتجة عن الصراع.. لكن فى كل الأحوال إن الأقوياء فقط هم القادرون على المواجهة وتحمل تداعيات هذا الصراع بين القديم والجديد والذين تجهزوا لهذه المعركة قبل سنوات واستشرفوا المستقبل وأعدوا العدة وبنوا جدار القوة والقدرة وتمسكوا بالحكمة والفهم والإدراك مبكراً.
ما بين نظام عالمى قديم.. أصبحت دول العالم تصرخ من ويلاته وصراعاته وهيمنته.. ونظام عالمى جديد يسعى للإعلان عن نفسه.. وهو نظام متعدد الأقطاب يعالج مساوئ وكوارث النظام القديم الغارق فى الازدواجية والانحياز.. وهو ما يؤكده العدوان الاسرائيلى الوحشى والبربرى.. والذى عكس بالفعل خطورة النظام العالمى القائم.. والذى يحتاج إلى تغيير جذرى وحوكمة.. بعد أن أصبحت مؤسساته الأممية فى حالة عدم قدرة وعاجزة عن القيام بمسئولياتها فى إطفاء نيران الحرائق والصراعات والحروب المشتعلة فى دول ومناطق كثيرة فى العالم.
تخيل أن الفلسطينيين يبحثون عن لقمة عيش أو شربة مياه أو مكان دافئ فى ظل هذا الصقيع والحصار والتجويع وحرب الإبادة ضدهم وقتل وقنص الأطفال والنساء مع سبق الإصرار والترصد وتدمير المستشفيات بشكل مقصود وممنهج والمخابز ومنع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية وقصف جوى متواصل على المنشآت والمنازل التى تهدم فوق رءوس أهلها.. هم ضحية النظام العالمى القديم الذى يماطل ويراوغ على مدار أكثر من 70 عاماً لم يستطع إجبار أو حتى إقناع اسرائيل بالالتزام بقرارات ومرجعيات الشرعية الدولية.. فى الوقت الذى إذا تأخر أى قرار أممى عن يوم أو 48 ساعة.. تحشد الجيوش لضرب الدول.. بل أن التدخل فى العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا.. لم يكن على أساس مرجعية مجلس الأمن.. الذى لم يعرف شيئاً عن هذه الحملات العسكرية الحاشدة لقوى الهيمنة للنظام العالمى القديم.
ما يحدث فى المنطقة بشكل عام من صراعات وحروب هو نتيجة للمعركة الحامية والصدام الشرس بين النظامين العالمى القديم والقائم.. الذى يسعى ويتأهب للإعلان عن نفسه.. وما يحدث فى قطاع غزة من نموذج لخطايا وجرائم النظام العالمى القائم وكارثية سياساته التى تهدد مسيرة العالم والبشرية وتفاقم معاناته.
نستطيع أن نرصد خداع ومراوغة وتناقضات النظام العالمى القائم.. يمنح أوكرانيا مؤخراً 60 مليار دولار ويرفض دخول المساعدات الإنسانية لإغاثة الفلسطينيين ويمنح اسرائيل دعماً إضافياً قدره 14 مليار دولار.. فى الوقت الذى تتحدث فيه واشنطن عن وجود خلافات بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو ومجلس حربه وتزعم أنها مطالبة دائما بحماية المدنيين.
كلما زادت توصيات واشنطن لإسرائيل بالالتزام بحماية المدنيين خلال العمليات العسكرية لجيش الاحتلال.. زادت أعداد الشهداء والمصابين من المدنيين من الفلسطينيين وكلما ارتفعت حصيلة آلة القتل للأطفال والنساء.. زار أنتونى بلينكن المنطقة واسرائيل تحديداً.. تستطيع أن ترصد أن هناك جرائم وكوارث جديدة ستحدث عقب مغادرته.. أمريكا تقول إنها ترفض الهجوم البرى الاسرائيلى على رفح الفلسطينية من دون خطة للحفاظ على أرواح وإخلاء المدنيين «1.4 مليون» نازح فلسطينى.. فى ذات الوقت.. تزيد معدلات القصف والقتل وتشريد المدنيين.. ويتمسك نتنياهو بالهجوم على رفح.. أمريكا تقول إنها لم ترصد أى ملامح أو مظاهر لحرب إبادة تشنها اسرائيل ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة وعدم مخالفة القوانين الدولية.. والقانون الدولى الإنسانى وجرائم الحرب وحرب الإبادة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين معلنة بالصوت والصورة!
أمام العالم.. أمريكا تقول إنها تسعى لإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين فى قطاع غزة.. وفى نفس الوقت تستخدم «الفيتو» لمنع إصدار قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار.. أمريكا تقول وتزعم إن اسرائيل ستواصل الحرب على قطاع غزة للقضاء على حماس.. وانها ملتزمة بحماية المدنيين.. واسرائيل للشهر الخامس لم تحقق أى شىء.. لم تقض على المقاومة ولم تطلق الرهائن والمحتجزين لديها.. وبدلت المصطلح بدلاً من القضاء النهائى على حماس ولم تفلح.. لتخرج وتقول إنها تستهدف القضاء على قدرات حماس.. ثم تخرج صواريخ المقاومة من شمال ووسط غزة فى اتجاه العمق الاسرائيلى وتل أبيب.. أمريكا تقول إنها أجبرت اسرائيل على إدخال شاحنات من الطحين لأهالى غزة.. ويخرج وزراء الحكومة المتطرفة وعلى رأسهم سموتريش وزير المالية الصهيونى ليرفض دخول هذه الشاحنات.. أمريكا تقول حل الدولتين.. ويخرج بن غفير الصهيونى المتطرف ليوبخ واشنطن.. لا ندرى ماذا يحدث.. وهل واشنطن جادة أم انها لعبة وتمثيلية متعددة الأطراف والأبطال لها أهداف سرية؟!
إسرائيل التى أدمنت واحترفت الكذب.. تتهم مصر بعرقلة المساعدات الإنسانية.. واسرائيل تقصف معبر رفح ٤ مرات من الجانب الفلسطينى وتعرقل وتؤخر إجراءات تؤدى إلى تأخير دخول المساعدات.. تزعم وتهذى.. والعالم جاء إلى معبر رفح ليشهد الإجرام الإسرائيلى الذى يحشد متطرفيه للتصدى لدخول المساعدات الإنسانية.. اسرائيل التى تكذب.. هى ذاتها التى تقضى على جميع مقومات الحياة والعيش فى قطاع غزة.. تضرب وتدمر المخابز والمستشفيات ومحطات المياه.. وتقصف شاحنات المساعدات وسيارات الاسعاف وتقنص الأطفال والنساء فى الشوارع.. فى جرائم يندى لها جبين الإنسانية خجلاً من جرائم اسرائيل.
هل بات النظام العالمى القائم القديم سبباً مباشراً فى معاناة هذا العالم وتفاقم أزماته وتصاعد صراعاته؟!.. هل يسعى للتشبث بالاستمرار.. وبالتالى الدفاع عن وجوده بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة؟!.. هل يفشل فى تحقيق أهدافه فى ظل تنامى الوعى الدولى وعدم قدرة النظام القديم على إقناع الشعوب بشعارات قديمة.. بعد أن ذاقت ويلاته وحصدت أشواك خداعه ومراوغاته بالديمقراطية والازدهار والحرية وحقوق الانسان؟!.. فلم تعد تجدى نفعاً.. بعد أن سقطت فى مستنقع حروب الإبادة والقتل والازدواجية والتمييز والعنصرية والخراب والدمار.
حذرت مصر مراراً وتكراراً من خطورة اتساع نطاق الصراع.. بسبب إصرار اسرائيل على التصعيد.. وهو ما تحقق تدريجياً ومازال يحمل الكثير من المخاطر.. فبعد فتح جبهات جديدة فى لبنان واليمن والعراق وسوريا والبحر الأحمر.. بدأت النيران تمتد إلى داخل اسرائيل نفسها وتتسع تداعيات تصعيدها وسياساتها الإجرامية.. خاصة فى ظل الحديث عن عملية «كريات» التى أودت بحياة اسرائيليين اثنين وأسقطت ٤ مصابين.. ومن الواضح أن هناك عمليات قادمة سوف تستهدف الداخل والعمق الاسرائيلى.. فى ظل أحاديث خبراء عن وجود خطط عن عمليات انتحارية وتفجيرات فى الداخل الاسرائيلى.. وبالتالى فإن نتنياهو ومجلس حربه وحكومته المتطرفة لن يجنى سوى الخراب.. بل ستواجه تهديدات وجودية فى ظل ما باتت تعانيه من أزمات طاحنة وانقسامات حادة فى المجتمع الاسرائيلى وانشقاقات محتملة فى حكومة نتنياهو ومجلس حربه.. فى ظل مخاوف نتنياهو من صعود جانتس.
تحيا مصر